الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دافع الوساوس ولا تجعل قلبك مقرا للشبهات

السؤال

تأتي في رأسي أفكار لا أستطيع لها دفعا وتشعرني بأنني ملحد وكافر ـ والعياذ بالله ـ وجملة هذه الأفكار تؤدي إلى قناعة عقلية بأن الإنسان مجبر لا محالة، أعلم أن ذلك خطأ ولكن عقلي لا يريد أن يقتنع وسأذكر لكم الأسئلة التي يطرحها علي عقلي وأنا أجيبه:
1ـ أليس الله هو خالق كل شيء؟ ج: طبعا هو الخالق.
2ـ أليس الإنسان مخلوقا؟ ج: نعم.
3ـ بم يرجح الإنسان اختياره؟ ج: بإرادته.
4ـ ومن خلق هذه الإرادة؟ ج: الله.
5ـ كيف تكون مخلوقة وحرة؟ ج: لا أعرف.
6ـ مع فرض أنها حرة فلماذا تختار النفس الكفر أو الإيمان؟ لأنها تريده مع معرفتها أنه خطأ.
7ـ هذه النفس الله خلقها من طين وكما في الحديث أن الله قبض من تراب الأرض المختلف فكان منها الطيب والخبيث والأبيض والأسود إذن الخبث الموجود في الكافر بسبب مادة خلقه وبالتالي ليس له دخل في كفره، بل المادة التي خلق منها هي السبب؟ لا أعرف ارحمني.
8ـ الظروف التي يوضع فيها الإنسان الكافر من البيئة المحيطة به وأبيه وأمه يؤثران فيه بالسلب، أما المؤمن فيتأثر بالإيجاب فهذا يعني أن الكافر فرصته في الهدى أقل من المؤمن والله عادل فكيف؟.
9ـ إذا كان قصد الإنسان قبل فعله هو الذي يرجح ما سيفعل، فالله سبحانه هو خالق هذا القصد، لأنه خالق كل شيء، إذن فالإنسان مجبر لأن قصده مخلوق له تكون إجابتي في النهاية على نفسي أن الله عادل ولا يظلم مثقال ذرة لذا فالإنسان مخير والمشكلة في عقلي ليست في دين الله فأنا غير محاسب على ذلك، لأنني لا أريده وأن هذا من علم الله فلا أعلمه، كما لا أعلم كيف يتحول العدم ـ صفر ـ إلى شيء ـ واحد ـ فيرد علي قائلا: بل هذا مستقر في قلبك بدليل أنك عقلا لا تستطيع الرد فلا يفيدك هذا الكلام فهو من النفاق وأنت في الدرك الأسفل الخلاصة أنني في كرب لا يعلمه إلا الله وأرجو منكم الإجابة على هذه النقاط بأسرع وقت ممكن قبل أن أصبح مجنونا أو منتحرا أو ملحدا بأسلوب سلس عامي حتى أفهم، فأنا أعرف أن هذه الأفكار خاطئة ولكن ليس بيدي شيء أغيثوني أرجوكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تعددت منك الأسئلة في هذه الوساوس واعلم أن هذه الشبهات والوساوس التي تعرض لك إنما هي من كيد الشيطان ومكره، يريد بها أن يفسد قلبك ويبعدك عن طاعة ربك جل وعلا، فعليك أن تجاهد نفسك في دفع هذه الوساوس والتخلص منها، بالإعراض عنها بالكلية وعدم السؤال عنها فالاستسلام للوساوس والاسترسال فيها من أقوى ما يعين الشيطان على العبد، وعليه أن يعرض عنها ولا يلتفت إليها، وأن يدفع كل ما من شأنه أن يجر إليها، ولو أجبناك عنها فإن الوسواس لن يتركك وسيفرع أسئلة جديدة عن الأجوبة وهكذا، وقد سئل ابن حجر الهيثمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة ـ وإن كان في النفس من التردد ما كان ـ فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم. انتهى.

وقال العز بن عبد السلام: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأن يقاتله فإن له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر منه. انتهى.

وحتى يزول مافي قلبك من شكوك، أكثر من الالتجاء لله تعالى ودعائه أن يشرح صدرك إلى اتباع الحق واليقين به، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قال الصحابة: يارسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمدلله الذي رد كيده إلى الوسوسة، أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو صريحا فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحا، ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا وإما أن يصير منا فقا. انتهى.

وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها ، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمته تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات ـ أو كما قال ـ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ... انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني