السؤال
ضاق المسجد بالمصلين يوم الجمعة وعندنا بناية للبلدية بينها وبين المسجد عشرة أمتار وبينهما جدار، فهل يصح للمصلين أن يصلوا فيها الجمعة؟ أم الأفضل أن نعمل جمعتين في نفس البلد؟.
ضاق المسجد بالمصلين يوم الجمعة وعندنا بناية للبلدية بينها وبين المسجد عشرة أمتار وبينهما جدار، فهل يصح للمصلين أن يصلوا فيها الجمعة؟ أم الأفضل أن نعمل جمعتين في نفس البلد؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المسجد يضيق بالناس يوم الجمعة فتجوزالصلاة في البناية المذكورة عند بعض أهل العلم بشرط سماع التكبير أو رؤية الإمام أو من يقتدي به، قال البخاري: باب: إذا كانَ بينَ الإِمَامِ وَبَيْنَ القَوْمِ حَائِطٌ اَوْ سُتْرَةٌ، وقال أبو مجلزٍ: يأتمُّ بالإمامِ وإنْ كانَ بينهما طَريقٌ أو جدارٌ إذا سمعَ تكبيرَ الإمامِ.
قال ابن رجب في فتح الباري: مرادُ البخاري بهذا الباب: أنَّهُ يجوز اقتداء المأمومِ بالإمام، وإن كانَ بينهما طريق أو نهر أو كانَ بينهما جدار يمنع المأموم مِن رؤية إمامه إذا سمع تكبيره، فهاهنا مسألتان: إحداهما: إذا كانَ بين الإمام والمأموم طريق أو نهر، وقد حكى جوازه في صورة النهر عَن الحسن، وفي صورة الطريق عَن أبي مجلز، وروى الأثرم بإسناده، عَن هشام بن عروة، قالَ: رأيت أبي وحميد بنِ عبد الرحمن يصليان الجمعة بصلاة الإمام في دار حميدٍ، وبينهما وبين المسجد جدارٌ، وكره آخرون ذَلِكَ، روى ليثُ بنُ أبي سليمٍ، عَن نعيم بنِ أبي هندٍ، قالَ: قالَ عمر بنِ الخطاب: مِن صلى وبينه وبين الإمام نهرٌ أو جدار طريق لَم يصل معَ الإمام، خرجه أبو بكر عبد العزيز بنِ جعفر في كِتابِ الشافي، وكره أبو حنيفة وأحمد أن يصلي المأموم وبينه وبين إمامه طريقٌ لا تتصل فيهِ الصفوف، فإن فعل، فقالَ أبو حنيفة: لا تجرئه صلاته، وفيه عَن أحمد روايتان والنهر بصلاة الذِي تجري فيهِ السفن كالطريق عند أحمد، وعن أحمد جوازه، واحتج بصلاة أنسٍ في غرفة يوم الجمعة، فَمِن أصحابه مِن خصه بالجمعة عند الزحام، والأكثرون لَم يخصُّوه بالجمعة، وكذلك مذهب إسحاق، إلى أن قال: وكره آخرون الصلاة خلف الإمام خارجَ المسجد، ورخصت طائفةٌ في الصلاة في الرحاب المتصلة بالمسجد، منهم النخعيُّ والشافعيُّ، وكذلك قالَ مالك، وزاد أنَّهُ يصلي فيما اتصل بالمسجد مِن غيره، ذكر في الموطأِ عَن الثقة عنده، أن الناس كانوا يدخلون حُجَرَ أزواجِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلُّون فيها الجمعة، قالَ: وكان المسجد يضيقُ على أهله، وحجر أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست مِن المسجد، ولكن أبوابها شارعةٌ في المسجد، قالَ مالك: فَمِن صلى في شيء مِن المسجد أو في رحابه التي تليه، فإن ذَلِكَ مجزئٌ عَنهُ، ولم يزلْ ذَلِكَ مِن أمر الناس، لَم يعبه أحدٌ مِن أهل الفقه، قالَ مالك: فأما دارٌ مغلقةٌ لا تدخل إلا بإذن، فإنه لا ينبغي لأحد أن يصلي فيها بصلاةِ الإمام يوم الجمعة، وإن قربُت، فإنها ليست مِن المسجد، وفي تهذب المدونة: أن ضابطَ ذَلِكَ: أن ما يُستطرَقُ بغير إذن مِن الدور والحوانيت تجوز الصلاة فيهِ، وما لا يدخل إليهِ إلا بإذن لا يجوز، وأن سائر الصلوات في ذَلِكَ كالجمعة، وروى الأثرمُ بإسناده، عَن محمد بن عمرو بنِ عطاءٍ، قالَ: صليت معَ ابن عباسٍ في حجرة ميمونةَ زوجِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاة الإمام يوم الجمعة، وبإسناده، عَن عطاء بنِ أبي ميمونة، قالَ كنت معَ أنسِ بنِ مالك يوم جمعة، فلم يستطع أن يزاحم على أبواب المسجد، فقالَ: اذهب إلى عبد ربِّه ابن مخارقٍ، فقل لَهُ: إن أبا حمزة يقول لك: أتأذن لنا أن نصلي في دارك؟ فقالَ: نعم، فدخل فصلَّى بصلاة الإمام والدار عَن يمين الإمام، فهذا أنسٌ قَد صلى في دار لا تُدخل بغير إذن، وحجر أزواجِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل هدمها وإدخالها في المسجد لَم تكن تُدخل بغير إذنٍ أيضاً، وقد استدل أحمد بالمروي عَن أنس في هَذا في رواية حرب ورخص في الصلاة في الدار خارج المسجد، وإن كانَ بينها وبين المسجد طريقٌ، ولم يشترط الإمام أحمد لذلك رؤية الإمام، ولا مِن خلفه، والظاهر: أنه اكتفى بسماعِ التكبير، واشترط طائفة مِن أصحابه الرؤية، واشترط كثيرٌ مِن متقدميهم اتصال الصفوف في الطريق، وشرطه الشَافِعي أيضاً. انتهى.
وفي شرح الزركشي في الفقه الحنبلي: وما يروى عن أنس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أنه كان يصلي في غرفة له يوم الجمعة بصلاة الإمام، فحمله أحمد في رواية أبي طالب على أن الصفوف اتصلت، وعن أحمد: يصح الاقتداء وإن كان ثم طريق لم تتصل فيه الصفوف، محتجا بأن أنسا فعل ذلك، وهو اختيار أبي محمد، لإمكان المتابعة، وعنه: يصح مع الضرورة محتجا أيضا بفعل أنس، وهو اختيار أبي حفص. انتهى.
ومن هذا يعلم أن صلاة الجمعة تصح في البناية خارج المسجد عند الحاجة عند بعض أهل العلم إن سمع التكبير أو تمكن من رؤية الإمام أو من يقتدي به، ومنهم من يرى عدم صحة الاقتداء إذا كانت البناية محجورة أي يحتاج إلى الإذن في دخولها، وانظرالفتوى رقم: 125726، والفتاوى المحال عليها فيها.
كما يجوز في حال ضيق المسجد وتعذر توسعته اتخاذ مسجد آخر لإقامة الجمعة، للحاجة لذلك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 132487. وانظر الفتوى رقم: 137392، لمزيد الفائدة.
أما هل الأولى صلاة من لم يسعهم المسجد في البناية المذكورة أم اتخاذ مسجد آخر فالظاهرأنه إذا ضاق المسجد عن المصلين وتعذرت توسعته فإن الأولى إقامة جمعة أخرى بدلا من استمرارالصلاة في البناية المذكورة، وذلك لأن أهل العلم كالمتفقين اليوم على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة بخلاف اقتداء من كان في بناية خارج المسجد والإمام داخله فهو محل خلاف كبير بين أهل العلم كما تقدم، فمنهم من يرى عدم صحة الاقتداء مع وجود حائل، ومنهم من يرى عدم صحة الجمعة في البنايات المحجورة ولو كانت متصلة بالمسجد، ففي شرح الدردير ممزوجاً بمختصر خليل المالكي متحدثاً عن بعض الأماكن التي لا تجزئ فيها الجمعة، لأنها لا تعتبر جزءاً من المسجد: وشبَّه في عدم الصحة قوله كبيت القناديل، لأنه محجور وسطحه ولو ضاق ودار وحانوت متصلين إن كانا محجورين، وإلا صحت. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني