السؤال
فضيلة المفتي: أنا فتاة في السادسة عشر من العمر، دخلت روضة الالتزام منذ سنة تقريباً، ولكنني بفضل الله كنت قد رزقت الالتزام بأشياء كثيرة منذ صغري، وقد سمعت من الدعاة الأفاضل كلاماً طيباً عن حب الله سبحانه ووددت لو أن هذا الحب يسكن قلوب المسلمين جميعاً، وقد منّ ربي عليّ العام الماضي بقيام الليل لأستشعر شيئاً من هذا المعنى، ولكن بعد انغماسي في لجة الحياة والدراسة العام الدراسي الماضي وجدت نفسي أدخل تدريجياً مرحلة الفتور، وذلك بالتقصير في كثير من العبادات وبالذات قيام الليل، وشعرت بعدها بفراغ قلبي كبير لم أكن أحس به قبل الفتور، ولجهلي بأن الله جل جلاله يغار ولا يرضى بشرك المحبة، فقد كنت أحاول إشباع هذا الفراغ بحب أخت لي كنت صحبتها في هذا العام، وبالفعل، شعرت بأنه قد أُشبع، ولكني فوجئت بالمشاكل تتوالى، وبتنغيص وتنكيد لم أعرف له سبباً وظللت في حيرة من أمري، ويجدر بي القول أنني لم أرَ هذه المحبة من النوع الذي هو لله وفي الله، فلم يكن حديثنا غالباً في الدين، ولا لقاؤنا مسبوقاً بنية واحتساب أجر، إنني الآن قد عرفت أن ربنا سبحانه وتعالى يغار ولا يرضى بشرك المحلبة، خاصة وأنني أجد نفسي أحب صديقتي هذه حباً كثيراً، وأشبعت به فراغاً قد أخبرني من حولي أنه طبيعي في هذه المرحلة ـ مرحلة المراهقة وأرجو أن أشبعه بحب ربي وخالقي، وأن تكون محبتي لصديقتي فيه محبة لله فحسب فأتخلص من شرك المحبة، ولكنني لا أدري ما أفعل بالضبط، أرجو النصح من فضيلتكم، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يثبتك ويسددك ويشرح صدرك ويوفقك لطاعته ويهديك لأرشد أمرك، واعلمي أن محبة الله عز وجل من أعظم أصول الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: محبَّة الله وَرَسُوله من أعظم وَاجِبَات الإيمان وأكبر أصوله وَأجل قَوَاعِد،ه بل هِيَ أصل كل عمل من أَعمال الْإِيمَان وَالدّين.
وإذا امتلأ القلب بمحبة الله ورسوله، رجعت محبة من سواهما إلى نصابها ولم تجاوز قدرها وصارت تابعة لمحبة الله ورسوله، وراجعي في فضل الحب في الله والفرق بينه وبين الحب لحظوظ النفس الفتوى رقم: 52433.
واعلمي أن الفتور ظاهرة طبيعية لا يسلم منها أحد، إلا من عصمه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل. رواه البزار.
كما أن المقرر عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، وعلاج الفتور يكون بأن يوقن العبد أنّه لا حول له ولا قوة إلّا بالله ويعلم أنّه لا يقدر على فعل طاعة أو ترك معصية إلّا أن يمنّ الله عليه بالإعانة والتوفيق، فعليك بالاعتصام بالله والتضرع إليه، والحرص على الرفقة الصالحة والبيئة الإيمانية، وتجنب صحبة السوء وبيئة المعاصي واللهو، وكثرة ذكر الموت وما بعده، والتفكر في آيات الله والتعرف على نعمه وآياته، والتنويع في العبادات والأذكار والترويح عن النفس في الحدود المشروعة، مع الإلحاح في الدعاء فإنه من أعظم الأسباب النافعة.
والله أعلم.