السؤال
أنا طالبة جامعية عمري 19 عاما، ولباسي واسع غير ضيق ولا شفاف، وحجابي عادي، ولكنني أعاني من أفكار خبيثة تأتي للأسف في حق الله، ولا تليق أبدا بعظمته وجلاله عز وجل، وتجعلني أكره نفسي بشدة وتشعرني أنني سأموت كافرة بسبب هذه الأفكار التي تشككني في كل شيء وتجعلني أسيء التفكير بالله، أصبحت أخاف الموت بشدة في أي لحظة وأخاف يوم القيامة بشكل مهول، وأخاف من القبر ومما أسمعه من ضمته، وأخاف أن لا أجيب أسئلة الملكين، ودائما أسأل نفسي هل الله راض عني؟ وأغلب هذا التفكير السيئ بالله يأتيني في الصلاة كثيرا، وأعاني من صعوبة في التركيز حتي في مذاكرتي ويأتيني عند قراءة القرآن أيضا، وأنا أقرأ كثيرا وأستغفر وأسبح الله يوميا وأبتعد عن المعاصي قدر الإمكان بكل قوة، وعندما أدركت لعنة الله للنامصة والمتنمصة توقفت تماما، وفعلا أخاف الله كثيرا وأدعوه دائما أن يكون راضيا عني، ولكن لا أدري ماذا يحدث بداخلي، أريد حلا، أريد أن أعرف كيف أتخلص من هذه الأفكار؟ وما حجم الذنب الذي أنا فيه بسببها؟ وكيف أكفر عنها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تجدينه من الأفكار والوساوس لا مؤاخذة عليك فيه ما دمت تكرهينه، فإن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد قالوا له: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان. رواه مسلم.
وفي بعض الروايات قالوا: لأن يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم بها. وفي بعض روايات الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.
ويتضح من خلال الحديث ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على من وقع في مثل هذه الوسوسة بشرطٍ وهو عدم انسياقه وراءها، وتصديقه لما أخبر الله به ورسوله، وشدة خوفه من الله عز وجل حتى أنه يفضل أن يحرق حتى يصير حممة أي فحماً مسوداً، يفضل ذلك على النطق بمثل تلك الكلمات، وإنما أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك دليل على أن الشيطان قد أيس أن يضله، ويزيغه، فرجع إلى الوسوسة، وهو مع ذلك لم يستجب له، بل حاله كما رأيت من قبل، قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قال الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان ـ وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ـ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس. اهـ.
وعلى المصاب بمثل ذلك أن يتوجه إلى الله بصدق ويدعوه لكشف ما به ويكثر من ذكر الله، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
ومن علاج الوسواس أن يلهو عنه المرء ولا يلتفت إليه، وراجعي في هذا الفتويين رقم: 10355، ورقم:51601.
والله أعلم.