الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العود للذنب مرة أخرى ضعفاً هل يعتبر إصراراً

السؤال

لقد منح الله المسلمين نعما كثيرة، فقد وعدهم أن يكفر عنهم صغائر الذنوب إن اجتنبوا الكبائر، وكما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن الصغائر تغفر ما بين الصلاة والصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، وأيضا هناك العديد من الأحاديث تبين أن الله سبحانه وتعالى وهوالكريم يغفر للمسلم صغائر الذنب إذا اجتنب الكبائر.
وسؤالي هو: هل الإصرار على واحدة من هذه الصغائر يعد كبيرة؟ وما الدليل على ذلك؟ وما معنى الإصرار؟ وإذا كان الإنسان يفعل ذنباً ويندم بصدق عليه ويستغفر ويرجو من قرارة قلبه ألا يعود إليه، ولكن لشدة الفتنة وضعفه يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى، فيستغفر مرة أخرى؟
أرجو الإيضاح، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فالإصرار هو الاستقرار على فعل الشيء. والعودة إلى الذنب بعد التوبة منه لضعف الإرادة لا تعتبر إصراراً على الذنب، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ".
والإصرار على الذنب معصية في حد ذاته، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أثراً عن سعيد بن جبير أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر: أسبع هن؟ قال: هن إلى السبعمائة أقرب، إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
وعلى السائل الكريم أن ينتبه لأمور:
الأول: أن للعبد المؤمن يستشعر دائماً مراقبة الله له واطلاعه عليه، ومن كان على هذه الحال دائماً عليه اجتناب الوقوع فيما حرم الله.
الثاني: أنه على المؤمن ألا ينظر إلى حجم الذنب، بل عيه أن ينظر إلى عظمة من نهى عن الذنب.
الثالث: أن من عاجل عقاب الذنب أن تسهل لصاحبه ذنوب أخرى ويمنع التوفيق في عمل طاعات كانت ميسرة له قبل الوقوع في الذنب.
وعلى كل حال فنذكر أخانا بقول بعض السلف: لا تكن على حال تكره أن يأتيك الموت عليه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني