الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف على امرأته بالطلاق ألا تكلم أمها، فهل يقع إن كلمتها بوساطة

السؤال

زوجي حلف علي بالطلاق في وقت غضب أن لا أكلم أمي، فهل من الممكن أن أكلم أمي عن طريق أحد من أهلي حتى لا يقع الطلاق؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان زوجك في حلفه بالطلاق أن لا تكلمي أمك يقصد قطع الصلة بها وعدم كلامها مطلقا سواء كان الكلام مباشرة أو بوساطة شخص آخر، أو كان سبب يمين زوجك يقتضي هجرانك لأمك، فإن الطلاق يقع عند الجمهور إذا حصل الكلام مباشرة أو بوساطة غيرك، وإن كان زوجك قد قصد خصوص الكلام المباشر فقط فلا يحصل الحنث إذا كلمتها عن طريق أحد الأهل، وإن كان قد أطلق في يمينه ولم ينو شيئا ففي الحنث بتكليمها بوساطة قولان انتصر لكل منهما طائفة من أهل العلم، جاء في المغني لابن قدامة: ولو حلف أن لا يكلمه، فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولا، حنث، إلا أن يكون أراد أن لا يشافهه، أكثر أصحابنا على هذا، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقد روى الأثرم وغيره، عن أحمد، في رجل حلف أن لا يكلم رجلا، فكتب إليه كتابا، قال: وأي شيء كان سبب ذلك؟ إنما ينظر إلى سبب يمينه، ولم حلف؟ إن الكتاب قد يجري مجرى الكلام، والكتاب قد يكون بمنزلة الكلام في بعض الحالات، وهذا يدل على أنه لا يحنث بالكتاب، إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه وترك صلته، وإن لم يكن كذلك، لم يحنث بكتاب ولا رسول، لأن ذلك ليس بتكلم في الحقيقة، إلى أن قال بعد بحث في المسألة: والصحيح أن هذا ليس بتكلم. انتهى.

وقال أيضا: وإذا أطلق، احتمل أن لا يحنث، لأنه لم يكلمه، واحتمل أن يحنث، لأن الغالب من الحالف هذه اليمين قصد ترك المواصلة، فتعلق يمينه بما يراد في الغالب، كقولنا في المسألة قبلها. والله أعلم. انتهى.

وجاء في شرح الزركشي الحنبلي: وإن عريت اليمين عن قصد وسبب ففيه روايتان، حكاهما في الكافي، إحداهما ـ وهي التي حكاها في المغني عن الأصحاب: الحنث أيضا، لأن الظاهر من هذه اليمين هجرانه، فتحمل يمينه عليه، اعتمادا على الظاهر والثانية ـ وإليها ميل أبي محمد: عدم الحنث والحال هذه، لأن ذلك ليس بكلام حقيقة، إلى أن قال: وبالجملة ميل أبي محمد هنا إلى الحقيقة، وميل الأصحاب إلى المعنى، وهو أوجه، والله أعلم. انتهى.

مع التنبيه على أن بر الأم وصلتها طاعة واجبة وفريضة من فرائض الله تعالى ولا يجوز تركها مخافة الوقوع في مباح، وهو الطلاق، جاء في المغني لابن قدامة أيضا: وإن أحرمت بواجب فحلف زوجها بالطلاق الثلاث أن لا تحج العام فليس لها أن تحل لأن الطلاق مباح، فليس لها ترك فرائض الله خوفا من الوقوع فيه. انتهى.

وفي حال وقوع الطلاق فلزوجك أن يراجعك قبل تمام العدة إن لم يكن هذا الطلاق مكملا للثلاث، وما تحصل به الرجعة سبق بيانه في الفتوى رقم: 30719.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بلزوم كفارة يمين في حال حصول الحنث إذا كان زوجك لا يقصد طلاقا، وإنما قصد منعك من كلام أمك أو قصد التهديد مثلا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا بإمكانية تراجع زوجك عن هذا اليمين إذا كان قد قصد الطلاق، وبالتالي فلا طلاق عليه ولا كفارة في حال رجوعك لكلام أمك إذا تراجع زوجك عن تعليق طلاقه، ولكن الراجح مذهب الجمهور فى الحالتين، كما في الفتوى رقم: 145759.

مع التنبيه على أن طلاق الغضبان لا يقع إذا كان غضبه شديدا بحيث لا يعي ما يقول، لارتفاع التكليف عنه حينئذ، فإن كان يعي ما يقول فطلاقه نافذ، وراجعي الفتوى رقم: 35727.

وبما أن المسألة تشتمل على عدة احتمالات فننصح زوجك بالحضور لمحكمة شرعية أو مشافهة أهل العلم لحكاية تفاصيل ما صدر منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني