السؤال
هناك العديد من الفتاوى التي تحرّم العمل في سلك القضاء إذا كان يحكم به بغير شرع الله في الأمور التي وضّح الشرع أحكاماً فيها واستبدلت بقوانين وضعية. هل التحريم يتعدى العمل بالمحكمة إلى الوظائف الإدارية لشؤون العاملين بالمحكمة؟ (إدارة الشؤون الإدارية بوزارة العدل) حيث تكون مهام الموظف: تعيينات المستشارين وموظفي الشؤون القانونية وحساب إجازاتهم ومكافآتهم وتجديد عقودهم الخ من مصالح العاملين في القضاء. السؤال الذي أريد إجابة عليه: هل علي من إثم إذا بقيت في الوظيفة الإدارية المذكورة أعلاه وهل يؤجر الشخص إذا ترك الوظيفة هذه تركاً للشبهة وكراهة للتحكيم بغير ما أنزل الله؟ أفتوني مأجورين بإذن الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن يجزيك خيراً على حرصك على تحري الحلال والابتعاد عن الحرام والشبهات.
ونفيدك بأن العمل في المهام التي تخدم القضاء الذي يحكم بما يخالف شرع الله يعتبر من العون للعاملين في المحرم ، وما فيه إعانة على المحرم ممنوع شرعا؛ لقول الله تعالى : ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .
و لأن أقل ما في ذلك هو إقرار الفعل المحرم، وإقرار المعصية والرضا بها محرم ومخالف لما أمر به الشارع من الإنكار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود ، وحسنه الألباني.
قال العظيم آبادي في (عون المعبود): أي في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. اهـ.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم. قال السيوطي في (الديباج): أي هو المؤاخذ المعاقب. اهـ.
وقال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط عن أحد في حال من الأحوال. اهـ.
ومن المعلوم أنه لما لعن آكل الربا وموكله لم تقتصر اللعنة عليهما وحدهما بل شملت اللعنة أيضا من أعانهما على ذلك ككاتب الربا وشاهديه ، كما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الربا آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. يعني في الإثم. رواه مسلم.
مع أن كاتب الربا وشاهديه لم يكن منهما إلا توثيق العقد الربوي المحرم وإقراره.
وليعلم أن من ترك شيئا لله أثابه وعوضه الله خيرا منه، ففي الحديث الشريف: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه الإمام أحمد وصححه شعيب الأرناؤوط.
والله أعلم.