الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل فيمن يتولى إقامة الحدود الشرعية

السؤال

إذا قامت لجنة شرعية بفصل الخصومات والقضاء في منطقة محررة من سلطة النظام ، فهل يحق لهذه اللجنة تنفيذ أحكام الحدود ، كالقصاص ، أو قطع يد السارق ؟ أو قتل الجاسوس أو الأسير من الجيش والأمن إن كان يجوز قتله ؟ وغير ذلك من أحكام الحدود ؟ أم هل يقضون بها ويسجن المتهم مع وقف التنفيذ ريثما تقوم دولة بقضاة معينين ؟ وإن جازت الحالتان فأيهما أولى ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان هؤلاء الناس قد نصبوا حاكما والتزموا طاعته فإن الواجب عليه أن يقيم الحدود بحسب القدرة، وأن ينظر في أمر الأسرى ونحوهم ممن يجوز قتله إلى ما فيه مصلحة المسلمين، والواجب على المسلمين هو تطبيق الشرع وإقامة الحدود بحسب الإمكان، وإنما يسقط عنهم ما يعجزون عنه، فإن كان في إقامة الحدود فساد يربو على مصلحة إقامتها لم تقم وإلا وجب إقامتها، وإن لم يكن للناس سلطان مطاع فالظاهر أنه لا يمكن إقامة الحدود من غير فساد راجح، ولذا نص الفقهاء على أنه لا يقيم الحدود إلا السلطان، قال شيخ الإسلام رحمه الله: خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا} وقوله: {الزانية والزاني فاجلدوا} وقوله: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم} وكذلك قوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم، وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد؛ بل هو نوع من الجهاد. فقوله: {كتب عليكم القتال} وقوله: {وقاتلوا في سبيل الله} وقوله: {إلا تنفروا يعذبكم} ونحو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين و " القدرة " هي السلطان؛ فلهذا: وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه. والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة: لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق؛ ولهذا قال العلماء: إن أهل البغي ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل؛ وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا أحزابا لوجب على كل حزب فعل ذلك في أهل طاعتهم فهذا عند تفرق الأمراء وتعددهم وكذلك لو لم يتفرقوا؛ لكن طاعتهم للأمير الكبير ليست طاعة تامة؛ فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك لم يسقط عنهم القيام بذلك؛ بل عليهم أن يقيموا ذلك؛ وكذلك لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك: لكان ذلك الفرض على القادر عليه. وقول من قال: لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه. إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل. كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر، فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى؛ أو عاجزا عنها: لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه. وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه. والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه. فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من " باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه. انتهى.

ونرى أن في هذه القواعد النفيسة لشيخ الإسلام رحمه الله ما ينضبط به هذا الباب ويزول كل إشكال فيه بحمد الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني