الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يُبْتَلى الصالحون لحكم جليلة وليس لهوانهم على الله

السؤال

بماذا نجيب على من سأل لماذا سمح الله بقطع رأس ابن الزبير وصلبه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس ابن الزبير رضي الله عنهما بِدْعًا من الصالحين الذين أصابهم البلاء في ذات الله عز وجل، فلم يزل البلاء ينزل بأنبياء الله وصالحي عباده لما له في ذلك من الحكمة، ولما أعده لهم من الكرامة والمنزلة الرفيعة التي ينالونها بصبرهم على الأذى فيه سبحانه، وليكونوا أسوة لغيرهم فيقتدي بهم الناس في صبرهم على الحق وثباتهم عليه، وقد عزت ذات النطاقين أسماء رضي الله عنها وهي أم عبد الله نفسها في موته بما ابتلي به من قبله ممن هو خير منه، فقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن منصور بن صفية عن أمه قالت: دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَسْجِدَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ مَصْلُوبٌ, فَقَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَسْمَاءُ, فَأَتَاهَا فَذَكَّرَهَا وَوَعَظَهَا وَقَالَ: " إِنَّ الْجُثَّةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ, وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللَّهِ, فَاصْبِرِي وَاحْتَسِبِي, فَقَالَتْ: مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الصَّبْرِ وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.

فما قضى الله به وأذن فيه كونًا وقدرًا من قتل ابن الزبير على يد عدوه, وحز رأسه وصلبه على ثنية الحجون ليس لهوانه على الله حاشا وكلا، بل هو لكرامته عنده, ومنزلته لديه, وليهين بذلك عدوه الظالم المبير، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, ويبتلى الرجل على قدر دينه, فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطريق العبودية قد حفت بأنواع من البلاء ليعلم الله الصادق من الكاذب، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {العنكبوت:2}، والله أراد أن يصطفي بعض خلقه ويتخذهم شهداء ويكرمهم بما أعد لهم من المثوبة العظيمة في الآخرة, وما يجعله لهم من لسان الصدق في الدنيا، ولا يكون هذا إلا بتحملهم بعض المكاره التي سرعان ما تزول, فإن الدنيا بأسرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وانظر الفتوى رقم: 146449.

وقبل ذلك كله فعلى المسلم أن يعلم أن الله تعالى عليم حكيم, يضع الأشياء في مواضعها, ويوقعها في مواقعها, وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني