الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يكفر من ظن أن الحرام يصير حلالا عند الضرورة

السؤال

يا شيخ بارك الله فيك
هل يكفر من ظن أن الحرام يصير حلالا في حالة الاضطرار و ليس أنه فقط ترفع المؤاخذة؟
جزاك الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يكفر من ظن أن الحرام يصير حلالا في حالة الاضطرار لأن العلماء نصوا على أن المحرمات تباح عند الضرورة، ومثلوا لذلك بإباحة أكل الميتة للمضطر بل أوجب بعضهم الأكل عند خشية الهلاك، ودليل الاباحة هو القاعدة المتفق عليها ـ الضرورات تبيح المحظورات ـ وهي مأخوذة من قول الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}. وقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173}.
و لقوله تعالى: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم [المائدة: 3]

وقال السعدي في تفسيره : فمن اضطر أي: ألجئ إلى المحرم بجوع وعدم أو إكراه. غير باغ ـ أي: غير طالب للمحرم، مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه. ولا عاد ـ أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له اضطرارا، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها. فلا إثم ـ أي: جناح عليه، وإذا ارتفع الجناح ـ الإثم ـ رجع الأمر إلى ما كان عليه، والإنسان بهذه الحالة مأمور بالأكل، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة وأن يقتل نفسه. فيجب ـ إذا ـ عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلا لنفسه. وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: إن الله غفور رحيم. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: أجمع العلماء على تحريم الميتة حال الاختيار وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار، وكذلك سائر المحرمات. اهـ
وقال النووي : أجمعوا أنه يجوز له الأكل من الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوها للآية الكريمة، واختلف العلماء هل يجب عليه الأكل أم لا يجب. اهـ
وقال في حاشية الروض: حل للمضطر من الميتة ونحوها من المحرم , غير نحو السم , ما يسد رمقه, ويأمن معه الموت, وهو إجماع ويحفظها. وعلم منه أنه ليس له الشبع, وقال الموفق وغيره : إن كانت الضرورة مستمرة , جاز الشبع , قال الشيخ : وليس له أن يعتقد تحريمها حينئذ ولا يكرهها . انتهى .
وقال المرداوي في الإنصاف: ويجب عليه أكل ذلك على الصحيح من المذهب، نص عليه وذكره الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وفاقاً، واختاره ابن حامد، وجزم به في المحرر وغيره، وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والقواعد الأصولية، وغيرهم. قال الزركشي: هذا المشهور من الوجهين، وقيل: يستحب الأكل ويحتمله كلام المصنف هنا. اهـ
وقال خليل من المالكية : المباح طعام طاهر... وللضرورة ما يسد غير آدمي وخمر إلا لغصة. اهـ
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمضطر يجب عليه أكل الميتة في ظاهر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم... والوجوب هومعتمد مذهب الأئمة الشافعية رحمهم الله.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني