الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يكفر من قال إن الأنبياء فعلوا المعجزات الفلانية

السؤال

أريد أن أفهم مسألة معجزات الأنبياء عليهم السلام, فهناك من يقول: إن من قال: إن الأنبياء فعلوا كذا وكذا معجزة من عند الله وبإذنه فقد أشرك إجماعًا، وأن الله لم يعطهم أي قدرة, ولكن الله هو الفاعل لهذه المعجزات, فمثلًا إذا قلت: إن الله أذن لعيسى - عليه السلام - أن يحيي الموتى, وكانت معجزة - بإذن الله - وكان عيسى هو الفاعل لهذه المعجزة ولكن بإذن الله وقدرته فهل هذا الكلام خطأ وشرك؟ كذلك إذا قلت: إن الله سيعطي للمسيح الدجال قدرة, فسيستطيع أن يحيي الميت بعد قتله, كما جاء في الحديث, ولكن بإذن الله تعالى.
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التكفير بهذا القول لا يجوز, فإن الله تعالى أخبر عن إحياء نبي الله تعالى عيسى - عليه الصلاة والسلام - للموتى بقدرة الله تعالى وإذنه، كما قال تعالى مخبرًا عن عيسى نفسه أنه قال: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ {آل عمران:49}, وأخبر الله تعالى بامتنانه عليه بذلك في قوله: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ {المائدة:110}, فالمحيي الحقيقي هو الله عز وجل، وإنما من عيسى النفخ كما قال الله تعالى عنه: فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ {آل عمران: 49}

وفي حديث الدجال: ثم يدعو رجلاً ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق... فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله" رواه مسلم, والله خلق الإنسان وأعطاه إرادة ومشيئة وقدرة واستطاعة واختيارًا، كما قال تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34], وهو سبحانه وتعالى خالق العباد, وخالق أفعالهم, والمقدر لحركاتهم وأعمالهم, وكل ما يحصل في الكون من الاحداث حاصل بقدره سبحانه وتعالى, كما قال الله تعالى: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصَّافات:96}, وقال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم, وفي الحديث: إن الله خالق كل صانع وصنعته. رواه البخاري في خلق أفعال العباد والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني.

وقد ذكر الشيخ حافظ الحكمي في معارج القبول أن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء, فهو خالق كل عامل وعمله, وكل متحرك وحركته, وكل ساكن وسكونه، وما من ذرة في السموات ولا في الأرض إلا والله سبحانه وتعالى خالقها, وخالق حركتها وسكونها سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه, وذكر أيضًا أن للعباد قدرة على أعمالهم, ولهم مشيئة، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم وأقوالهم وأعمالهم، وهو تعالى الذي منحهم إياها, وأقدرهم عليها, وجعلها قائمة بهم, مضافة إليهم حقيقة, وبحسبها كلفوا عليها يثابون ويعاقبون, ولم يكلفهم الله تعالى إلا وسعهم ولم يحملهم إلا طاقتهم.

وبناء عليه، فإن الله تعالى خالق كل من العبد وعمله، ومشيئة العبد كذلك هي من خلق الله, وهي مقيدة بمشيئته سبحانه, قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: من الآية30], وراجع الفتوى رقم: 186965.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني