الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من ذكر مقدمة بين يدي الجواب عما سألت عنه, وهي أنه لا خلاف بين جمهور أهل العلم على جواز استفتاء العامي لمن عُرف بالعلم والفضل والعدالة, كما لا خلاف بينهم في المنع من استفتاء العامي وتقليده لمن عرف بالجهل أو الفسق أو بهما معًا.
ولو قال قائل: كيف للعامي معرفة أهلية المفتى مع عاميته؟ فالجواب: أن ذلك ممكن فيما إذا رآه منتصبًا للفتوى بمشهد من أعيان العلماء, أو رأى إقبال الناس على سؤاله وأخذهم عنه, أو تواتر لديه أهليته للفتوى, أو استفاض بين الناس ذلك, فهذه وسائل يغلب على الظن اتصاف صاحبها بالأهلية للفتوى, قال المحلي في شرح جمع الجوامع: وَأَمَّا فِي الْإِفْتَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَظُنَّ الْمُسْتَفْتِي عِلْمَ الْمُفْتِي وَعَدَالَتَهُ.
كما يمكن استدلال العامي على أهلية المفتى فيما إذا رأى عليه سمات الدين, وعلامات الاستقامة والصلاح, وأمارات العلم, أو يخبره عدل فأكثر بذلك, ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 176935.
وأما لو جهل حالَه دينًا وعلمًا، فهل له أن يستفتيه أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين: قول بالمنع, وقول بالجواز، قال الزركشي في البحر المحيط: مسألة: وإنما يسأل من عرف علمه وعدالته، بأن يراه منتصبًا لذلك، والناس متفقون على سؤاله والرجوع إليه, ولا يجوز لمن عرف بضد ذلك إجماعًا, والحق منع ذلك ممن جهل حاله، خلافًا لقوم ... وممن حكى الخلاف في استفتاء المجهول: الغزالي, والآمدي, وابن الحاجب, ونقل في المحصول الاتفاق على المنع، فحصل طريقان, وإذا لم يعرف علمه بحث عن حاله. انتهى.
وقال المحلي: وَأَمَّا فِي الْإِفْتَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَظُنَّ الْمُسْتَفْتِي عِلْمَ الْمُفْتِي وَعَدَالَتَهُ, إمَّا بِالْأَخْبَارِ, أَوْ بِأَنْ رَوَاهُ مُنْتَصِبًا لِلْفَتْوَى وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُؤَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ, فَإِذَا ظَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِ أَوْ عَدَمَ عَدَالَتِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَا يَسْتَفْتِيهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ الِاسْتِفْتَاءِ عَنْهُ.
وعليه: فالراجح هو المنع كما ذكر المحلي؛ وذلك لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، ومجهول الحال لا يتحقق فيه كونه من أهل الذكر, كما أن الشارع قد أمر بالتثبت في الأخبار، قال تعالى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا {الحجرات:6}وفي قراءة: فتثبتوا, وأولى الأخبار بالتثبت ما كان في أمور الشرع فهو فيها أحرى وأوجب, والمجهول لا يوثق بفتواه لكونه لا يُدرى هل هو عدل أو غير عدل, وقال ابن سيرين: إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح.
قال الغزالي في المستصفى: المفتي المجهول الذي لا يدرى أنه بلغ رتبة الاجتهاد أم لا، لا يجوز للعامي قبول قوله، وكذلك إذا لم يدر أنه عالم أم لا، بل سلموا أنه لو لم تعرف عدالته وفسقه فلا يقبل.
وبناء على ما سبق: فيمكن تطبيق ما ذكرناه في الأشخاص على مواقع الفتوى؛ لأنها شخصيات اعتبارية, وعليه: فتنزل منزلة الأشخاص فيما ذكرناه من تفصيل, بين من علمت أهليته للفتوى فيجوز الرجوع إليه وطلب الفتوى منه, ومن جهل حاله فلا يجوز استفتاؤه.
ولمعرفة الضوابط التي يجب مراعاتها عند الاختيار من أقوال المجتهدين واستفتاء المفتين وما يعمل به منها انظر الفتاوى التالية أرقامها: 44633، 5583، 10940.
ولمعرفة الجهة القائمة على الفتوى في هذا الموقع ومنهجية الفتوى يمكنك الدخول على الرابط التالي: http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=aboutfatwa
والله أعلم.