السؤال
في صلاتي للنوافل النهارية أخفف القيام، أقرأ بالإخلاص في الركعة، وأطيل الركوع، والسجود، والاعتدالين.
فهل ما أفعله هو السنة التي ينبغي أن أداوم عليها أم إن عملي المذكور هو خلاف الأولى والأفضل؟ وإذا كان كذلك فما هو الأفضل؟ وبماذا تنصحوني؟ كيف أجعل صفة صلاتي للنوافل النهارية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كان القصد أنك تطيل الركوع، والسجود، والاعتدالات أكثر من القيام، فالجواب أن هذا خلاف السنة، والسنة أن يكون القيام أطول من سائر الأركان؛ فعن البراء قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود، قريبا من السواء. متفق عليه.
وإذا كان القصد السؤال عن المفاضلة بين طول القيام، وكثرة الركوع والسجود، فقد تعددت أقوال الفقهاء في المفاضلة بين طول القيام، أو تخفيفه مع كثرة الركوع والسجود في صلاة الليل والنهار , فقيل إن طول القيام أفضل مطلقا، وقيل بالتساوي، وقيل بأن طول القيام بالليل أفضل، وتخفيفه بالنهار مع كثرة الركوع والسجود أفضل.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وقال الشَّيْخُ عبد الْقَادِرِ في الْغُنْيَةِ، وابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ: كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ من طُولِ الْقِيَامِ في النَّهَارِ، وَطُولُ الْقِيَامِ في اللَّيْلِ أَفْضَلُ ... وَعَنْهُ طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ... وَعَنْهُ التَّسَاوِي، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ . اهـ.
وجاء في مسائل إسحاق بن منصور المروزي للإمام أحمد أنه قال: ثم سألته قلت: طول القنوت أحبّ إليك أم كثرة الركوع والسجود ؟ قال: أحبّ إليّ أن يكون للرجل ركعات معلومات بالليل والنهار، إن شاء طول فيهن وإن شاء قصر, قال إسحاق: أما بالليل فطول القنوت، وأما بالنهار ، فكثرة الركوع والسجود. اهـ.
وقال النووي في المجموع: قال الترمذي: إنما قال إسحاق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف بالليل. اهـ.
وجاء في التاج والإكليل – من كتب المالكية - : وَهَلْ الْأَفْضَلُ كَثْرَةُ السُّجُودِ، أَوْ طُولُ الْقِيَامِ؟ قَوْلَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ، لِمَا فِي الْحَدِيثِ: { مَنْ رَكَعَ رَكْعَةً أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ بِهَا عَنْهُ خَطِيئَةً } وَقِيلَ: طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ، لِمَا فِي الْحَدِيثِ: { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ } وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا يُعَارِضُهُ, الْمَازِرِيُّ: وَقِيلَ أَمَّا فِي النَّهَارِ فَكَثْرَةُ السُّجُودِ أَفْضَلُ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ .. اهـ.
فأنت ترى من هذه النقول أن للفقهاء أقوالا مختلفة, والذي يمكننا قوله هو: أن المداومة على ما تفعله من تخفيف القيام بصلاة النهار ليس فيه شيء صريح من السنة, والسنة في الصلاة عموما سواء كانت ليلية أو نهارية أن تكون متقاربة في القيام والركوع والسجود؛ لما رواه البخاري ومسلم عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ مُعْتَدِلَةً، فَإِذَا أَطَالَ الْقِيَامَ يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، كَمَا رَوَاهُ حُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُ. وَهَكَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ الْفَرِيضَةَ، وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَغَيْرَهُمَا: كَانَتْ صَلَاتُهُ مُعْتَدِلَةً، فَإِنْ فَضَّلَ مُفَضِّلٌ إطَالَةَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ تَقْلِيلِ الرَّكَعَاتِ، وَتَخْفِيفِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ: فَهَذَانِ مُتَقَارِبَانِ . وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ يُخَفِّفُهُنَّ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ .اهــ .
والله تعالى أعلم