الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواب شبهة حول العمل بالأحاديث النبوية والاحتجاج بها

السؤال

أريد أن أقنع صديقا لي بحقيقة السنة. ‏في الواقع هو يؤمن فقط بالقرآن لأنه ‏كلام الله، وغير محرف. لكن لا يؤمن ‏بالأحاديث النبوية؛ لأنه يقول إنها ‏أقوال بشرية وصلتنا مند سنين ولا ‏يمكن التأكد من صحتها. ‏
جزاكم الله خيرا أنا في أمس الحاجة ‏لمساعدتكم.‏

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن السنة من الوحي كما قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:4}، فيشملها الحفظ الوارد في قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} .

قال ابن حزم: فأخبر تعالى كما قدمنا أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكرُ محفوظ بنص القرآن. فصح بذلك أن كلامَه صلى الله عليه و سلم كلُّه محفوظ بحفظ الله عز وجل، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله.اهـ.

وقال: أن يقول القائل لعله عليه السلام قد بين ذلك ولم يصل إلينا، قال علي: فمن قال ذلك أكذبه الله عز وجل بقوله: {إنا نحن نزلنا لذكر وإنا له لحافظون}. وبقوله تعالى عن نبيه عليه السلام: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} فصح أن كلامه كله صلى الله عليه وسلم وحي، وأن الوحي محفوظ؛ لأنه ذكر، فلو بينه عليه السلام ولم ينقل إلينا لكان غير محفوظ، وقد أكذب الله تعالى هذا القول .اهـ

قال ابن تيمية: فما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة محفوظ. اهـ.

وقال ابن القيم: قال تعالى آمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [الأنعام: 50] وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] قالوا: فعلم أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين كله وحي من عند الله، وكل وحي من عند الله فهو ذكر أنزله الله، وقد قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} [النساء: 113] فالكتاب القرآن، والحكمة السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «إني أوتيت الكتاب ومثله معه» " فأخبر أنه أوتي السنة كما أوتي الكتاب، والله تعالى قد ضمن حفظ ما أوحاه إليه وأنزل عليه ليقيم به حجته على العباد إلى آخر الدهر. اهـ.

والقول بأن السنة المنقولة لا يمكن التأكد من صحتها قول باطل، فهناك قدر كبير من السنة المنقولة أجمعت الأمة على صحته وقبوله والعمل به، كجملة أحاديث الصحيحين، وإجماع الأمة حجة قاطعة.

قال ابن تيمية: ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث كجمهور أحاديث البخاري ومسلم؛ فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث، فإجماع أهل العلم بالحديث على أن هذا الخبر صدق كإجماع الفقهاء على أن هذا الفعل حلال أو حرام أو واجب، وإذا أجمع أهل العلم على شيء فسائر الأمة تبع لهم؛ فإجماعهم معصوم لا يجوز أن يجمعوا على خطأ ... وأما ما اتفق العلماء على صحته فهو مثل ما اتفق عليه العلماء في الأحكام وهذا لا يكون إلا صدقا، وجمهور متون الصحيح من هذا الضرب، وعامة هذه المتون تكون مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة وجوه رواها هذا الصاحب وهذا الصاحب من غير أن يتواطآ ومثل هذا يوجب العلم القطعي؛ فإن المحدث إذا روى حديثا طويلا سمعه، ورواه آخر ذكر أنه سمعه، وقد علم أنهما لم يتواطآ على وضعه، علم أنه صدق؛ لأنه لو لم يكن صدقا لكان كذبا إما عمدا وإما خطأ؛ فإن المحدث إذا حدث بخلاف الصدق: إما أن يكون متعمدا للكذب؛ وإما أن يكون مخطئا غالطا. فإذا قدر أنه لم يتعمد الكذب ولم يغلط لم يكن حديثه إلا صدقا، والقصة الطويلة يمتنع في العادة أن يتفق الاثنان على وضعها من غير مواطأة منهما، وهذا يوجد كثيرا في الحديث يرويه أبو هريرة، وأبو سعيد؛ أو أبو هريرة، وعائشة؛ أو أبو هريرة، وابن عمر؛ أو ابن عباس. وقد علم أن أحدهما لم يأخذه من الآخر. اهـ.

وقال أيضا: فلا يجوز أن يكون في نفس الأمر كذبا على الله ورسوله، وليس في الأمة من ينكره، إذ هو خلاف ما وصفهم الله تعالى به. اهـ.
ثم إن من لم يأخذ بالسنة كيف سيعبد ربه، والقرآن العظيم ليس فيه ذكر تفاصيل صفة الصلاة وشروطها، وكذلك الزكاة وبقية الشرائع، كما جاء عن الحسن, أن رجلا, قال لعمران بن حصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن؟ قال: «أرأيت لو أتيت أنت وأصحابك القرآن، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا, وصلاة العصر عدتها كذا, وحين وقتها كذا, وصلاة المغرب كذا؟ والموقف بعرفة ورمي الجمار كذا, واليد من أين تقطع أمن هاهنا أم هاهنا أم من هاهنا, ووضع يده على مفصل الكف ووضع يده عند المرفق ووضع يده عند المنكب, اتبعوا حديثنا ما حدثناكم, وإلا والله ضللتم. أخرجه الخطيب في الكفاية .

ومن الأدلة العقلية على صحة الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول ما فيها من إخبار بالمغيبات التي وقعت بعد ذلك، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي من الله، ولا مجال للاختلاق والكذب فيه.

والنبي صلى الله على الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، فمن زعم أنه لن يحتج بسنته لعدم ثبوتها فقد قصر رسالته وبعثته على من رآه وسمع منه صلى الله عليه وسلم فحسب.

وبالجملة فهذا القول بعدم ثبوت السنة في غاية الوهاء والبطلان .

ويمكن أن تراجع هذا الباب في كتاب حفظ الله للسنة للدكتور أحمد فارس السلوم، و مما يستفاد منه الكتب التي ألفت في حجية السنة ومكانتها، ككتاب الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام، للشيخ ناصر الدين الألباني، و السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي، وزوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً، للدكتور صلاح الدين مقبول أحمد، و حجية السنة، للدكتور عبد الغني عبد الخالق.

وانظر للفائدة الفتاوى أرقام: 137308 129610 19694 8407

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني