السؤال
يا شيخ: أعاني من كثرة الوساوس في الحمام ـ أكرمك الله ـ فعندما أستنجي أغسل ظاهر فرجي وباطنه، لأنني إذا لم أغسل الباطن تخرج قطرات أثناء الاستنجاء كلما أرش بالماء، فأصبحت أغسل الظاهر والباطن، وسألت شيخا عن غسل الباطن، فقال ليس عليك شيء وغسلك صحيح، فهل إذا استنجيت وغسلت الظاهر والباطن وخرجت قطرات الماء التي دخلت إلى الفرج علي شيء؟ وقد قرأت في فتوى لديكم أن الماء الذي يدخل ويخرج نجس، وسألت شيخا عن هذا فقال لي ليس عليك شيء ولا تقرأ الفتاوى في الأنترنت... فعملت بفتواه، وأنا مرتاح حاليا لكن عاودتني الوسوسة مرة أخرى بأن هذا الماء نجس، فهل يجوز غسل الباطن أم لا؟ وإن كان غير واجب، فهل هو مشروع؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فغسل باطن الفرج عند الاستنجاء أمر غير مشروع، وقد نص الفقهاء على أنه من فعل المبتدعة وسبب للوسوسة, جاء في بلغة السالك لأقرب المسالك: وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجِ، بَلْ يَحْرُمُ لِشَبَهِ ذَلِكَ بِاللِّوَاطِ... اهـ.
وجاء في شرح الشيخ زروق على الرسالة: وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين, يعني ولا له ذلك، لأنه يضر به ويشبه اللواط في الدبر والسحاق في حق المرأة، وهو من فعل المبتدعة... اهـ.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع وهو يتكلم عن الاستنجاء: وَلَا يَسْتَقْصِي فِيهِ بِالتَّعَرُّضِ لِلْبَاطِنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ... اهــ.
وبهذا يتبين لك ـ أيها السائل ـ أن ما تفعله من غسل باطن الفرج عند الاستنجاء أمر مذموم وهو سبب ما تعانيه من الوسوسة, وقد بينا في عدة فتاوى أنه يكفي في الاستنجاء غسل ظاهرالمخرج فقط ولا يشرع إدخال الماء إلى الداخل، لأنه من التنطع في الدين ـ والذي نستطيع قوله للسائل وغيره هو أننا نحذره من الاسترسال في وسواس الطهارة، فلا يطل المكث في الخلاء إلا بقدر الاستنجاء المعتاد، وليعرض عما يعتبره شيئا خارجا بعد تمام الاستنجاء، لأن الموسوس قد يخيل إليه دخول الماء إلى المحل أو خروجه ولم يقع ذلك، ولأنه إذا عمل على أنه خرج منه شيء وغسله فيخيل إليه خروجه مرة أخرى وهكذا إلى ما لا نهاية، فكان الإعراض هنا هو العلاج الأنجع، وقد سئل الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي ـ رحمه الله ـ عن الوسواس هل له دواء؟ فقال: لَهُ دَوَاءٌ نَافِعٌ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا جُمْلَةً كَافِيَةً وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْسِ مِنْ التَّرَدُّدِ مَا كَانَ، فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَلْتَفِتْ لِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، بَلْ يَذْهَبُ بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ كَمَا جَرَّبَ ذَلِكَ الْمُوَفَّقُونَ، وَأَمَّا مَنْ أَصْغَى إلَيْهَا وَعَمِلَ بِقَضِيَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَزْدَادُ بِهِ حَتَّى تُخْرِجَهُ إلَى حَيِّزِ الْمَجَانِينِ، بَلْ وَأَقْبَحَ مِنْهُمْ، كَمَا شَاهَدْنَاهُ فِي كَثِيرِينَ مِمَّنْ اُبْتُلُوا بِهَا وَأَصْغَوْا إلَيْهَا وَإِلَى شَيْطَانِهَا الَّذِي جَاءَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: اتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ ـ أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ اللَّهْوِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ. اهـ.
ونوصي الأخ السائل بأن ينضح فرجه وسراويله بالماء بعد الاستنجاء، فذلك سبب لقطع الوساوس ـ بإذن الله تعالى ـ قال ابن قدامة في المغني: ويستحب أن ينضح على فرجه وسراويله ليزيل الوسواس عنه، قال حنبل: سألت أحمد بن حنبل قلت: أتوضأ وأستبرئ وأجد في نفسي أني قد أحدثت بعده، قال: إذا توضأت فاستبرئ، ثم خذ كفا من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه فإنه يذهب إن شاء الله. اهـ.
والله أعلم.