السؤال
عندما يقوم شخص ما بكشف خطأ، أو تجاوز شرعي مثل التحرش، فيقوم شخص آخر بمدحه ويقول: أنت عين من عيون الله. هل يجوز هذا؟ وهل في هذا مغالاة؟ وماذا تعني كلمة: أنت عين من عيون الله ؟
عندما يقوم شخص ما بكشف خطأ، أو تجاوز شرعي مثل التحرش، فيقوم شخص آخر بمدحه ويقول: أنت عين من عيون الله. هل يجوز هذا؟ وهل في هذا مغالاة؟ وماذا تعني كلمة: أنت عين من عيون الله ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب أن يعلم أولا أن ذات الله سبحانه، وصفاته، ليس منها شيء حالّ بأحد من المخلوقات، بل الأمر كما قال شيخ الإسلام: وَالرَّبُّ رَبٌّ. وَالْعَبْدُ عَبْدٌ. لَيْسَ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؛ وَلَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ يَعْتَقِدُ حُلُولَ الرَّبِّ تَعَالَى بِهِ؛ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا اتِّحَادَهُ بِهِ . انتهى.
وقال رحمه الله: ولهذا شبه الناسُ من قال بحلول صفة الرب في عبده، بالنصارى القائلين بالحلول، وهو شبيه بهم من بعض الوجوه. انتهى.
إذا علم هذا فكلمة: (عين من عيون الله)، قد وردت في مصنف عبد الرزاق من رواية الحسن عن عمر- رضي الله عنه- إلا أن في سندها راويا مبهما، والحسن لم يرو عن عمر، حيث ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر، فالسند منقطع.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول: مر رجل على رجل معه نسوة قد ألقين له وسادة، فهن يحدثنه، وهو يخضع لهن بالقول، فضربه بعصا كانت معه حتى شجه، فذهب به إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين مر علي هذا وأنا مع نسوة لي أحدثهن، فضربني بعصا حتى شجني، فقال عمر: لم ضربته؟ فقال: يا أمير المؤمنين مررت عليه فإذا هو مع نسوة لا أعرفهن يحدثنه، وهو يخضع لهن، فلم أملك نفسي. فقال عمر: أما أنت أيها الضارب فيرحمك الله، وأما أنت أيها المضروب فأصابتك عين من عيون الله . انتهى. ورواها ابن عساكر أيضا في تاريخ دمشق.
وكذلك ورد استعمالها عن غير عمر رضي الله عنه.
ففي تاريخ بغداد قال الخطيب: أخبرنا إسماعيل الحيري، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن عبد العزيز الواعظ يقول: سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول: سمعت الجنيد يقول: لا تنظروا إلى أبي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض، فإنه عين من عيون الله عز و جل. انتهى. ورواها ابن عساكر في تاريخه أيضا.
وقال الخطيب في تاريخه أيضا: قرأت في كتاب أحمد بن قاج الوراق بخطه، سماعه من علي بن الفضل بن طاهر البلخي قال: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن سليمان يقول: سمعت سليمان بن محمد القاضي يقول: سمعت أبا عمران يقول: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: سلم بن سالم عين من عيون الله في الأرض، وسلم بن سالم في زماننا كعمر بن الخطاب في زمانه. انتهى.
فهذه الآثار يستأنس بها في جواز إطلاقها، كما يستأنس بما نقله ابن كثير في طبقات الشافعيين عن الفقيه الشافعي المعروف بابن اللبان –وفي تاريخ الإسلام للذهبي ابن اللّبّاد-، وفيه قوله: وعليك أن تجعل باطنك خيرًا من ظاهرك، فإن الناس عيون الله على العبد يريهم خيره وشره، إن ستره فباطنه مكشوف لله، والله مكشفه لعباده ...
ثم قال ابن كثير: وهذا كلام حسن جيد، يدل على فصاحة قائله، وفضائله، وسيادته، وسعادته، وديانته، وأمانته، واطلاعه. انتهى.
وقد فسر غير واحد من أهل العلم معنى هذه الكلمة.
ففي النهاية في غريب الأثر لابن الأثير قال: وفي حديث عمر: [ أنَّ رجلا كان يَنْظُرُ في الطَّوَاف إلى حُرَم المسلمين، فلَطَمه عَليٌّ فاسْتَعْدَى عليه عمرَ فقال: ضَربَك بِحَقٍّ أصَابَته ( في الهروي : [ أصابتك ] ) عينٌ من عُيون اللّه ] ( عزا الهروي هذا التفسير إلى ابن الأعرابي، وذكر قبله عن ابن الأعرابي أيضا : [ يقال : أصابته من اللّه عين : أي أخذه اللّه ] ) أراد خاصَّة من خَواصّ اللّه عزّ وجل، وَوَليّاً من أوليائه. انتهى.
وفي لسان العرب قال ابن منظور: وفي حديث عمر رضي الله عنه: أَن رجلاً كان ينظر في الطواف إِلى حُرَم المسلمين، فلَطَمَه عليّ رضي الله عنه، فاسْتَعْدَى عليه عُمرَ فقال: ضرَبك بحق، أَصابته عَينٌ من عُيون الله عز وجل، أَراد خاصة من خواص الله، ووليَّاً من أَوليائه. انتهى.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: قال: فلان عين من عيون الله تعالى: أي ولي من أوليائه. انتهى.
وقال الألوسي في روح المعاني: يقال : مات عين من عيون الله تعالى، أي ولي من أوليائه. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني