السؤال
ذكر أحد الأئمة الخطباء ما يلي (في ما معناه): روى أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وغيرهما الحديث الشريف: (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الملك ملكها، ولنعم الجيش ذلك الجيش). والمقصود به محمد الفاتح (الملك محمد خان الثاني) الذي فتح القسطنطينية سنة 855 هجرية، وهو ماتريدي العقيدة، حنفي المذهب، وصوفي. ولو كانت العقيدة الماتريدية ضالة أو مضللة، أو فاسدة أو باطلة، أو كفرا لاعترض عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، بل هذا الحديث الشريف حجة للماتريدية، وللأشعرية (التي عليها الجيش) وللمذهب الحنفي، وللصوفية من السنة المطهرة، وتزكية للماتريدية، وللأشعرية من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. انتهى.
فما حقيقة الأمر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الوارد في الثناء على فاتح القسطنطينية، قد أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن بشر الخثعمي، عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش. والحديث مختلف في صحته، فقد صححه الحاكم والذهبي، وضعفه الألباني، والأرنؤوط في تحقيق المسند.
وأصل فتح القسطنطينية ثابت في صحيح مسلم وغيره، دون الثناء على الجيش والأمير.
وقد ذهب الشيخ حمود التويجري في كتابه: " إتحاف الجماعة" إلى أن فتح القسطنطينية المقصود في الأحاديث هو ما سيقع في آخر الزمان قبل خروج الدجال بيسير، ولما يقع بعد.
فقال رحمه الله: وقد فتحت القسطنطينية في سنة سبع وخمسين وثمانمائة، على يد السلطان العثماني التركماني محمد الفاتح (وسمي الفاتح لفتحه القسطنطينية) ، ولم تزل القسطنطينية في أيدي العثمانيين إلى زماننا هذا في آخر القرن الرابع عشر من الهجرة، وهذا الفتح ليس هو المذكور في الأحاديث التي تقدم ذكرها؛ لأن ذاك إنما يكون بعد الملحمة الكبرى، وقبل خروج الدجال بزمن يسير؛ كما تقدم بيان ذلك في عدة أحاديث من أحاديث هذا الباب، وكما سيأتي أيضا في حديثي معاذ، وعبد الله بن بشر- رضي الله عنهما- ويكون فتحها بالتسبيح، والتهليل، والتكبير لا بكثرة العدد والعدة؛ كما تقدم مصرحا به في غير ما حديث من أحاديث هذا الباب، ويكون فتحها على أيدي العرب لا أيدي التركمان؛ كما يدل على ذلك قوله في حديث عمرو بن عوف- رضي الله عنه-: «ثم يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، حتى يفتح الله عليهم قسطنطينية، ورومية بالتسبيح، والتكبير» . وفي حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عند مسلم: «فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ» . وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «ويستمد المسلمون بعضهم بعضًا حتى يمدهم أهل عدن أبين». وفي حديث ذي مخمر رضي الله عنه: «أن الروم يقولون لصاحبهم: كفيناك حد العرب، ثم يغدرون ويجتمعون للملحمة» . فدل هذا على أن الملحمة الكبرى تكون بين العرب والروم، والذين يباشرون القتال في الملحمة الكبرى هم الذين يفتحون القسطنطينية، وأمير الجيش الذي يفتحها في آخر الزمان عند خروج الدجال هو الممدوح هو وجيشه؛ كما تقدم ذلك في حديث عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه -رضي الله عنه-، وتقدم في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي رواه الخطيب في "المتفق والمفترق ": "أن أمير الجيش إذ ذاك من عترة النبي صلى الله عليه وسلم ". والمقصود هاهنا التنبيه على أن الفتح المنوه بذكره في أحاديث هذا الباب لم يقع إلى الآن، وسيقع في آخر الزمان عند خروج الدجال، ومن حمل ذلك على ما وقع في سنة سبع وخمسين وثمانمائة؛ فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به. اهـ.
وعلى فرض أن المقصود بالفتح الوارد في الأحاديث هو فتح القائد محمد الفاتح- رحمه الله- فليس في ذلك أي دليل على صحة المذهب الأشعري، أو الصوفي . و الاستدلال بذلك من أغرب أنواع الاستدلال . فالثناء على الشخص لا يلزم منه التزكية المطلقة له، وأن جميع شأنه حق - على فرض صحة الحديث، وإلا فهو مضعف كما تقدم -، هذا أولا .
وثانيا: فإن كثيرا من العوام المنتسبين للمذهب الأشعري أو غيره لا يكونون على اعتقاد مفصل لمذاهبهم، بل هم في الحقيقة على اعتقاد أهل السنة؛ لأنه هو الاعتقاد الموافق للفطرة، ولعل محمدا الفاتح من هذا الضرب. ثم إن الثناء على الصحابة -رضي الله عنهم- قد جاء في مئات الأحاديث فمن كان مقتديا فليقتد بهم، وليسلك سبيلهم، وليتأس بطريقتهم . وانظر للفائدة في نقض هذه الشبهة الفتوى رقم: 38987.
وراجع للفائدة فيما يتعلق بفتح القسطنطينية الفتاوى أرقام: 150193 137433 46524 .
وراجع فيما يتعلق بالمذهب الأشعري، والماتريدي الفتوى رقم: 38987 ، وفيما يتعلق بالصوفية راجع الفتوى رقم:13742.
والله أعلم.