السؤال
أعاني من صداع دائم في الناصية وأخشى أن يغمى علي، كنت أشاهد الأفلام الإباحية من قبل فجاءني المرض، فهل الأفضل أن أرقي نفسي أم أذهب إلى من يرقيني؟ قرأت قرآنا في ماء وغسلت به رأسي فلم أشف، وعاد الصداع، وبعد التوبة الأخيرة بحثت عن أسماء فيديوهات محرمة على جوجل ولم أشاهدها وأخشى أن أكون قد استحللت البحث دون المشاهدة، وهذا مجمع على حرمته، وأنا متيقن من أنني حاولت أن أطرد فكرة أن البحث عن العناوين على جوجل دون مشاهدة محرم، حاولت أن أنسى دون أن يمنعني شؤم المعصية، فكيف لم يهلكني الله بعد؟ فكم أنا فاسق!! مع أنني أعمل من الصالحات وأدعو إلى الله ودائماً أندم وأتوب من كل ذنوبي، إلا أنني أنشغل عن قضاء الفوائت، وألوم نفسي على ترك المندوبات، فكم عصيته وسترني؟ أضعف وأعود للذنب، مع أنني أبغض المتبرجات وأغض بصري عنهن! فكيف أستقيم ولا أعود إلى الذنب؟ وهل تعتقدون أن الخوف أنسب لي من الرجاء؟ وكيف تدمع عيني من خشية الله؟ أحياناً أبكي ولا تسيل أي دمعة، وأحاول أيضاً أن أنشر الإسلام وأخاف من أذى الآخرين، مع أن من يعرفني يراني طيبا، وأحاول أن أدعو غير المسلمين، ودائما أرتعش أمام الخطر والمشاكل، فكيف أتغلب على الجبن والخوف من غير الله؟ ومتى يكون خوفي شركا أصغر؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية مما تعاني منه، وأن يرزقنا وإياك صدق التوبة والعون على الاستقامة والمواصلة في الدعوة والشجاعة عليها، ونفيدك أن الرقية الشرعية يمكن أن تفعلها بنفسك، أو أن تسترقي بعض الرقاة المشهود لهم بالتمسك بالدين وبالبعد عن الدجل، والأفضل أن ترقي نفسك.
وأما الاستحلال: فإنه لا يقع إلا باعتقاد كون الحرام حلالا بعد العلم بتحريمه، ولابد أن يكون التحريم مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة، قال ابن قدامة: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير، والزنا، وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه، كفر، وإن استحل قتل المعصومين، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل، فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا، وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد، ولم يكفره، وكذلك أبو جندل بن سهيل وجماعة معه شربوا الخمر بالشام مستحلين لها مستدلين بقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا {المائدة: 93 } فلم يكفروا، وعرفوا تحريمها، فتابوا، وأقيم عليهم الحد، فيخرج فيمن كان مثلهم حكمهم، وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله، لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحله بعد ذلك. اهـ.
ومما يعينك على تحصيل الخوف من الله والإقبال على التوبة أن تتذكر الموت وما بعده من الأهوال العظام والأمور الجسام، وأن تتمثل موقفك بين يدي ربك تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، واستحضر عظمة الله سبحانه وأنه شديد العقاب، وأنه لا يقوم لغضبه شيء سبحانه وتعالى، واقرأ آيات وأحاديث الوعيد والتخويف من النار فإنها تنصدع لها القلوب السليمة، واصحب أهل الخير، فإن صحبتهم من أعظم الأشياء عونا على الاستقامة، ودع عنك ما يلقيه الشيطان في قلبك من الوساوس والمخاوف، بل جاهد نفسك وشيطانك وثق أنك مع المجاهدة ستبلغ ما تريد من طاعة الله، كما قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
واعلم أنه يتعين على المسلم أن يظل دائماً بين الخوف والرجاء، وعليه أن يقوي جانب الرجاء حينما يريد الشيطان أن يلبس عليه ويقنطه من الرحمة، ويقوي الخوف عندما يريد تأمينه من سخط الله وغضبه، ويدل لتأكيد الحرص على الأمرين، قوله تعالى: وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا {الأعراف:56}.
وقوله في وصف بعض الأنبياء: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا {الأنبياء:90}.
ويدل لخطورة اليأس وأمن غضب الله قوله تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وقوله تعالى: أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:99}.
والله أعلم.