الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متى يلجأ المرء إلى استفتاء قلبه

السؤال

هل أستفتي قلبي إذا سمعت أكثر من رأي في مسألة ما وأنا من العوام ولا أستطيع البحث؟ وما هي مجالات استفتاء القلب؟ وهل تستعمل في العبادات إذا أشكلت علي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحديث الذي ورد في استفتاء القلب قد أخرجه أحمد عن وابصة بن معبد، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم، قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. حسنه النووي.

وجاء معنى الحديث عن النواس بن سمعان، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البر والإثم، فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس. أخرجه مسلم.

وعن أبي أمامة، قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الإثم؟ قال: إذا حاك في صدرك شيء فدعه. أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان، وقال ابن رجب: إسناده جيد، على شرط مسلم.

وعن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني ما يحل لي وما يحرم علي، فقال: البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولا يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون. أخرجه أحمد، وقال ابن رجب: إسناد جيد.

واستفتاء القلب هذا محله حيث لم توجد حجة شرعية، ولمن كان منور القلب بالإخلاص والصدق، قال ابن رجب: فدل حديث وابصة وما في معناه على الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه، فما إليه سكن القلب، وانشرح إليه الصدر، فهو البر والحلال، وما كان خلاف ذلك، فهو الإثم والحرام.. وفي الجملة، فما ورد النص به، فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله، وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا، وأما ما ليس فيه نص من الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء، وحك في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه، بل هو معروف باتباع الهوى، فهنا يرجع المؤمن إلى ما حك في صدره، وإن أفتاه هؤلاء المفتون .اهـ بتصرف.

قال ابن عثيمين: وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثما ويكره أن يطلع عليه الناس، أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم: فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاما لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليما طاهرا نقيا، فإنه إذا هم بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده مترددا يكره أن يطلع الناس عليه، وهذا ضابط وليس بقاعدة، أي علامة على الإثم في قلب المؤمن. اهـ.

والواجب على العامي إن نزلت به نازلة سؤال أهل العلم عنها، وليس له أن يستنكف عن سؤالهم متعللا باستفتاء قلبه، قال ابن عبد البر: إن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها، لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل لعدم الفهم إلى علم ذلك، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة ـ والله أعلم ـ ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل: 43}. اهـ.

وسئل ابن عثيمين: البعض يقوم بأداء ما أمر الله عز وجل وحين يشكل عليه أمر فإنه يتخذ فيه رأياً وفق ما يظهر له من فهمه وتقديره، ويقول: استفت قلبك, مع قلة علمه الشرعي, فهل يجوز له هذا؟ فأجاب: هذا لا يجوز له, والواجب على من لا يعلم أن يتعلم، ومن كان جاهلاً أن يسأل, أما يخاطب به رجلاً صحابياً قلبه صاف, ليس ملطخاً بالبدع والهوى, ولو أن الناس أخذوا هذا الحديث على ظاهره, لكان لكل واحد مذهب, ولكان لكل واحد ملة, لقلنا إن أهل البدع كلهم على حق، لأن قلوبهم استفتوها فأفتتهم بذلك, والواجب على المسلم أن يسأل عن دينه, ويحرم على الإنسان أن يقول على الله بلا علم, أو على رسوله, ومن ذلك أن يفسر الآيات أو الأحاديث بغير ما أراد الله ورسوله. اهـ.

وراجع للفائدة الفتويين رقم: 199943، ورقم: 126447.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني