الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يتلقى حكم الله بالقبول والإذعان، ومن كان في قلبه حرج من نص شرعي، فلم يتم إيمانه؛ قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.
قال الشيخ حافظ الحكمي:
حَكِّمْ نَبِيَّكَ وانْقَدْ وارْضَ سُنَّتَهُ مَعَ اليَقينِ وحَوْلَ الشَّكِّ لا تَحُمِ
فمَا لِذِي ريبَةٍ في نفسِهِ حَرَجٌ مِمَّا قَضَى قطُّ في الإيْمانِ مِنْ قَسَمِ
(فَلا وَرَبِّكَ ) أقْوَى زاجِرًا لأُوْلِي لْـ ألْبابِ والْمُلْحِدُ الزِّنْدِيقُ في صَمَمِ
والواجب على المسلم إذا بلغه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلم له، وأن يحمل الحديث على أحسن المحامل، كما قال علي بن أبي طالب، وابن مسعود -رضي الله عنهما-: إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أهناه، وأهداه، وأتقاه. أخرجه ابن ماجه.
ومن رد حديثا نبويا فهو على خطر عظيم.
قال الإمام أحمد: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة، وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: 63] الآية، وأي فتنة إنما هي الكفر.اهـ.
ومن عارض الحكم الشرعي بفهمه القاصر فبئس ما صنع. والمنبغي للعبد إذا أشكل عليه شيء من الشرع، وحاك في صدره أن يسأل أهل العلم عنه، سؤال متعلم مستفهم، لا سؤال معارض مكابر.
وأما ما يتعلق بحديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد. فقد أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وقال الذهبي: على شرط مسلم، وصححه الألباني.
ويكفي في بيان عظم حق الوالدين أن الله قرن بين عبادته وبين الإحسان إلى الوالدين في غير آية، فقال: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الأنعام:151}. وقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}. والآيات والأحاديث في بيان حق الوالدين كثيرة جدا. وهناك كتاب "بر الوالدين " لابن الجوزي يحسن بك الرجوع إليه .
ومن المعلوم أن حديث: (رضى الرب في رضى الوالد) وما في معناه من الآي والأحاديث الحاضة على طاعة الوالدين - مقيد بأن تكون طاعتهما في المعروف، وألا تكون في طاعتهما في معصية لله عز وجل، فإنه: لا طاعة لبشر في معصية الله. كما في الحديث الذي أخرجه أحمد. وكذلك يشترط ألا يكون على الابن ضرر فيما يأمره به والده، فإن تضرر الابن بما يأمران به فلا تجب طاعتهما؛ وانظر ضوابط وجوب طاعة الوالدين في الفتاوى أرقام: 76303 177727 182257 200815 . وإن سخط الأب على ابنه بغير حق فلا يضر الابن ذلك.
وأما الجهاد فمن حق الوالدين منع الابن منه إن كان الجهاد غير متعين، فعن عبد الله بن عمرو، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»
قال ابن عبد البر : لا خلاف علمته أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان، أو أحدهما .اهـ.
وأما الصدقة فإن كان الوالدان محتاجين للمال فهما أولى به، وإلا فلا يشترط إذنهما. وانظرمزيد بيان في الفتوى رقم: 192631
وأما أثر مجاهد- رحمه الله- فليس فيه ما يشكل، وهو شرح للآيات والأحاديث الكثيرة في حق الوالدين، ومن كان مستنكفا عن بر الوالدين وخفض جناح الذل لهما، فلا غرو أن هذا الأثر لن يروق له .
والله أعلم.