الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تحقيق التوبة النصوح المقبولة

السؤال

لقد وقعت في إشكالية في مسألة التوبة والاستغفار، وهي مجموعة أسئلة متصلة ببعضها، فقد قرأت في إحدى فتاواكم أن شروط التوبة: أن تكون في زمن التوبة، والندم، وترك الذنب، والإصرار على عدم الرجوع للذنب، والشرط الخامس في حال كان هناك حقوق للعباد, وأنا -والفضل لله - كنت أطبق هذه الأمور عليّ، لكني لم أكن أطلب الغفران من الله عز وجل، أي أني لم أكن أقول: أستغفر الله, أو ما شابه ذلك، فهل تجزئ التوبة وتمحو الذنب دون الاستغفار, أم يلزم الاستغفار باللسان عند التوبة؟ وكيف أجمع بينهما؟ فمرة بدأت بمحاسبة نفسي عند فعل الذنب, وهنا حصل الندم، وعند حصول الندم طلبت من الله الغفران، ثم بعدها أصررت على عدم الرجوع للذنب, والإقلاع عن الذنب، فهل هذا فعل صحيح يغفر الذنب - بإذن الله -؟ ومرة كنت أندم ثم أقلع عن الذنب, ثم أصر على عدم الرجوع للذنب, ثم أستغفر، فهل هذا صحيح أيضًا؟ وأيضًا - والفضل من الله - تاب رجل كان يسب الذات الإلهية والدين على يدي، وقلت له: يكفيك أن تندم, وتقلع عن الذنب, وتصر على عدم الرجوع إليه، وبالفعل طبق ذلك، لكني لم أكلمه لا عن الاستغفار, ولا عن نطق الشهادتين، فما حكم ذلك؟ وهل يجزئ أيضًا إذا استغفرت ربي عن فعل ذنب في الحمام؟ وهل المرتد إذا استغفر الله وتاب في الحمام ونطق بالشهادتين في الحمام يجزئه؟ وبالنسبة لحكم المرتد إذا أراد أن يتوب توبة عامة وهو مقيم في المدينة فهل عليه أن يخرج خارج حدود المدينة ثم يتوب توبة عامة نصوحًا أم أنه يتوب توبة عامة داخل حدود الحرم, ولا يضره كونه بقي فيها أثناء ردته داخلها؟ كذلك الأمر في من ارتد ودخل المسجد فخشع قلبه, وتاب توبة عامة فهل يضره كونه داخل المسجد - إن قلنا: إن بقاء الكافر في المسجد محرم -؟ وهل هذه التوبة العامة تكفر ذنب ردته, وتكفر بقاءه في المسجد أثناء ردته؟ وهل المرتد ينطق بالشهادتين ثم يتوب ويستغفر أم يتوب ويستغفر ثم ينطق بالشهادتين؟ وقد وجدت أن محاسبة النفس عند ارتكابها أمرًا محرمًا واجبة تجاه هذا الأمر المحرم، وقد كنت عند التوبة قبل ذلك أحاسب نفسي لكي أحصل على الندم لكن لم أكن أستشعر, أو أنوي أني سأحاسب نفسي لفعل أمر واجب، فهل هذا يجزئ؟ أعتذر عن كثرة المسألة في هذا الموضوع، فأنا أبحث في هذا الموضوع، ولم أتمكن من التواصل معكم لفترة - جزاكم الله خيرًا -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فواضح جدًّا أنك مصاب بالوسوسة، ونحن ننصحك بالإعراض عن الوساوس, وعدم الالتفات إليها، ثم اعلم أن التوبة عمل قلبي، فمتى وجد من الشخص الإقلاع عن الذنب, والعزم على عدم العودة إليه, والندم على فعله فهو تائب, وإن لم يتلفظ بلسانه، وأما الاستغفار باللسان فهو طلب للمغفرة, فإن لم تصحبه توبة القلب لم يستلزم الإجابة، وانظر الفتوى رقم: 123668.

ومن وجد منه الندم الحقيقي لم يتصور أنه لم يقلع عن الذنب, ولم يعزم على عدم العودة إليه، وأي شروط التوبة وجد أولًا فالتوبة صحيحة متى استوفت الشروط المذكورة واستجمعتها, فلم يتخلف منها شرط، ومن ثم فإن توبتك التي استوفيت فيها شروطها من الإقلاع عن الذنب, والعزم على عدم العودة إليه, والندم على فعله, صحيحة مقبولة - إن شاء الله - أيًّا كان الشرط الذي وجد أولًا.

وأما الذي تاب على يديك من الردة: فإن شرط صحة توبته أن ينطق بالشهادتين، فإن كان لم ينطق بهما إلى الآن - وهذا مستبعد جدًّا - فإن أمكنك أمره بذلك فافعل.

ولا يلزم من كان بالمدينة أن يخرج منها ليتوب. ولا يلزم من كان داخل المسجد أن يخرج منه ليتوب.

ولو فرض أنه تاب من الردة فقد صار بتوبته ونطقه الشهادتين من أهل الإسلام, وجاز له اللبث في المسجد.

وأما ذكر الله بالاستغفار, أو نطق الشهادتين, أو غير ذلك في المكان المعد لقضاء الحاجة فمكروه، وتشتد الكراهة إذا كان حال قضاء الحاجة، وانظر الفتوى رقم: 121162.

ونعود فنحذرك من الوساوس, والاسترسال معها, فإن الاسترسال مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني