السؤال
طلقني زوجي ثلاث مرات, فأخبرني في الطلقة الأولى أني إذا ذهبت إلى أهله أكون طالقًا, ثم بعدها أخذني إليهم بالقوة, وزوجي يعمل خارج البلد, وكان على اتصال بنا كل فترة, وفي يوم اتصلت به لأسأل عنه, فقال لي: "إذا اتصلت به أكون طالقًا", وفي يوم كنت متعبة وغير مركزة فاتصلت به غصبًا عني, فوصل الاتصال إليه ولم أعلم أن الاتصال وصل إليه, فاتصل بي بعد ذلك, وقال: "لماذا اتصلت؟ ألم أقل لك: لا تتصلي بي", فقلت له: "لم أكن أعلم أن الاتصال وصل", فقال بلسانه: "يبقى كدة اتحسبت طلقة" وبعدها سأل بعض الناس فقالوا له: "عليك كفارة؛ حتى لا تحسب الطلقة" وبالفعل كفَّر عن ذلك, واتصل بي في شهر رمضان الكريم, وكان غاضبًا مني ومن الأولاد, فقال لي: "اذهبي غدًا إلى والدتك, وأفطري عندها أنت والأولاد, وإذا لم تفعلي ذلك تكونين طالقًا", وعندما اتصلت بوالدتي لم تكن موجودة في البيت, وكانت عند أخي في مكان بعيد, ولم تستطع العودة للبيت؛ لأنها مسنة ومريضة, فلم أذهب إليها في اليوم الذي حدده لأفطر عندها, وأنا ما زلت على ذمته, فهل حسبت ثلاث طلقات؟ وهل الطلقة الثانية يجوز فيها الكفارة, ونيته كانت الطلاق؟ وإذا حسبت ثلاث طلقات فهل وجود محلل مباح للعودة له مرة أخرى؟ مع العلم أنه يعاملني بقسوة وظلم؛ لأنه لا يوجد تكافؤ بيننا في أي شيء, وهو غير طيب العشرة معي, وأنا ما زلت على ذمته, وأخاف أن أعيش معه في الحرام, فأرجو أن تفيدوني - جزاكم الله خيرًا -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكثر أهل العلم على أن الزوج إذا علّق طلاق زوجته على شرط طلقت زوجته عند تحقق ذلك الشرط، سواء قصد الزوج إيقاع الطلاق, أو قصد مجرد التهديد, أو التأكيد, أو المنع، وهذا هو المفتى به عندنا، لكن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يرى أن الزوج إذا لم يقصد إيقاع الطلاق, وإنما قصد بالتعليق التهديد, أو التأكيد, أو المنع فلا يقع الطلاق بحصول المعلق عليه, وإنما تلزمه كفارة يمين، وانظري الفتوى رقم: 11592.
والمرجع في تعيين المعلق عليه إلى النية فيما يحتمله اللفظ؛ لأن النية تخصص العام, وتعمم الخاص، وانظري الفتوى رقم:35891.
وعليه, فإن كان زوجك علق طلاقك على ذهابك إلى أهله مطلقًا فقد حنث في يمينه، قال النفراوي المالكي - رحمه الله -: علم مما قدمنا أن يمين البر لا يحنث الحالف فيها إلا لفعل المحلوف على تركه اختيارًا، ولو فعله مع النسيان, أو الجهل, أو الغلط, أو مكرهًا إكراهًا شرعيًا لا إن فعله مكرهًا أو إكراهًا غير شرعي، فلا يحنث إلا أن يأمر بالإكراه, أو يكون المكره هو الحالف، كأن يحلف على غيره لا يفعل كذا وأكرهه الحالف على فعله، أو يكون الحالف يعلم أن غيره يكرهه على فعل ما حلف على تركه فإنه يحنث.
وأما إن كان قصد بيمينه منعك من الذهاب دون علمه, أو دون إذنه, أو منعك من الذهاب في وقت محدد دون غيره، فيمينه مقيدة بنيته, ولا يحنث بذهابك إلى أهله على غير الوجه الذي قصد منعك منه.
وأما الطلقة الثانية فإن كنت اتصلت به ناسية غير عامدة ففي وقوع الطلاق خلاف، والراجح - والله أعلم - أنه لا يقع، وانظري الفتوى رقم: 139800، ولا يقع الطلاق حينئذ بقوله: " اتحسبت طلقة"، قال ابن القيم – رحمه الله -: وَصَرَّحُوا أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِشَرْطٍ فَظَنَّ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وَقَعَ فَقَالَ: "اذْهَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ"، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَبَانَ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ.
وإذا كان قد علق الطلاق على هذا الأمر قاصدًا إيقاعه: فلا صحة لقول من أفتاه بكفارة اليمين، وانظري الفتوى رقم: 178975.
والراجح – والله أعلم - أن الطلاق لم يقع عليك بعدم ذهابك لوالدتك وإفطارك عندها، ما دام ذلك لم يكن ممكنًا لك، جاء في النوادر والزيادات على ما في المدونة: فيمن حلف ليفعلن كذا, فغاب ما حلف عليه قبل يمينه, أو بعده, أو أعوزه فلم يجده, أو ظهر له أمر ممتنع, من العتبية: روى عيسى, وأبو زيد, عن ابن القاسم فيمن قال لعبده: إن لم أبعك فامرأتي طالق، فمات العبد, أو أبق، فإن مات ولم يفرط في بيعه فلا شيء عليه.
واعلمي أنه في حال وقوع ثلاث تطليقات، فإنك تبينين من زوجك بينونة كبرى, ولا تحلين له إلا إذا تزوجت زوجًا غيره – زواج رغبة لا زواج تحليل - ثم يطلقك الزوج الجديد بعد الدخول, أو يموت عنك وتنقضي عدتك منه.
والذي ننصحك به أن تعرضي مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بهم.
والله أعلم.