الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قول: لو أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما فعلت كذا

السؤال

يا شيخ: ذات يوم صليت الجمعة في المسجد، وبعدها ذهبت إلى البيت فقابلت أخي، فقال لي خذ ملابسي إلى المصبغة، فرفضت وحصلت مشادة كلامية بيننا وكان يستفزني أمام أمي، فقلت له والله لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم فلن أذهب بأغراضك، قلتها عنادا لأخي ولم تكن لي نية في سب، أو اتنقاص، أو إهانة، أو استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهل أنا كافر؟ وهل الكلام الذي قلته فيه نوع من السب، أو الأهانة، أو الاتنقاص؟ أرجو التوضيح، مع أنني تبت من كل الذنوب. 

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن تلك الكلمة التي تلفظت بها عظيمة وتلزمك التوبة منها، وقد نص الفقهاء على أن: مَنْ شُفِعَ عِنْدَهُ فِي رَجُلٍ فَقَالَ لَوْ جَاءَ النَّبِيُّ يَشْفَعُ فِيهِ مَا قَبِلْت مِنْهُ ـ على أنه يكفر ويُقتل إلا إذا تاب قبل القدرة عليه, ومنهم من قال يكفر إذا قالها استخفافا. جاء في مطالب أولي النهي للرحيباني الحنبلي: أَوْ شُفِعَ عِنْدَهُ فِي رَجُلٍ فَقَالَ: لَوْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْفَعَ فِيهِ مَا قَبِلْت مِنْهُ، كَفَرَ، وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ قَائِلِ ذَلِكَ إنْ قَالَهُ اسْتِخْفَافًا بِمَقَامِهِ الرَّفِيعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتُوبَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَهَا، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، قُتِلَ، لَا إنْ تَابَ قَبْلَهَا، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ دُونَ الِاسْتِخْفَافِ، فَإِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَلَا يُقْتَلُ كَالْمُحَارِبِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: لأنه قوله: لو أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما قبلت ـ صريح في أنه سيعصي النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكن إذا علمنا أنه قال ذلك من باب المبالغة، يعني أن أغلى ما عندي، وأوجب من يجب عليَّ قبول شفاعته من الناس هو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعلى ذلك لو جاء ما قبلت شفاعته، فإنه إذا قالها من باب المبالغة فإنه لا يحكم بأنه يجب أن يستتاب، فهناك فرق بين من يقصد معناها، ويقول: لو جاء الرسول ما قبلت، وبين من يريد المبالغة، ولكن لو جاء الرسول فعلاً لكان يقبل، فهذا لا يظهر أنه يستتاب، لأنه لم يُرِدْ رَدَّ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل أراد تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام. اهـ.

وجاء في حاشية اللبدي على نيل المآرب: والذي يظهر لي أنه إن أراد حقيقة المخالفة فالقول بقتله متجه، وإلا فلا، لأنه قد يريد بذلك تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو المتبادر، لكن لا ينبغي هذا اللفظ، لما فيه من إساءة الأدب. اهـ.

فتبين بهذا أن الكلمة عظيمة الإثم وأنه يكفر قائلها استخفافا، وأما لو قالها مبالغة فإنه لا يكفر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني