الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اقترض من شخص بالربا وتاب ورد له الفائدة فوهبها له

السؤال

أخ لي أعطى تاجرا مبلغا من المال مقابل فائدة شهرية ثابتة. فلما أرشدته بأن هذا هو الربا الذي حرمه الله، انتهى عن ذلك، واسترد المبلغ من التاجر، فنصحته برد الفوائد التي حصل عليها عملا برأي الجمهور؛ لقوله تعالى: (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) فلما عرض على التاجر المال قال له إني قد سامحتك.
فهل يعتبر هذا بمثابة عقد هبة من التاجر إليه يبرئ ذمته، ويرفع عنه إثم الربا أم يجب عليه التخلص من هذا المال بأي طريقة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإقراض مع اشتراط فائدة، محرم بلا ريب، ولا خلاف في ذلك أصلا.

قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة، أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.

وانظر الفتوى رقم: 21328
وعلى ذلك؛ فالواجب على أخيك رد الفوائد الربوية للتاجر؛ لأنها ماله وقد أخذت منه بغير حق، وهو شخص معلوم لأخيك.
قال ابن رشد في مقدماته: وكذلك من أربى ثم تاب، فليس له إلا رأس ماله، وما قبض من الربا وجب عليه أن يرده إلى من قبضه منه، فإن لم يعلمه تصدق به عليه؛ لقول الله عز وجل: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] الآية. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 73302
فإذا وهبها التاجر له بعد ذلك، فلا حرج عليه في قبولها على الراجح؛ حيث إن هذه الفوائد حق للتاجر، وماله في حقيقة الأمر، فله أن يتصرف فيها بالهبة وغيرها، وحيث إنه قد وهبها إليه بعد إلغاء الشرط الربوي، أشبه ما لو بدأ بذلك دون شرط.

قال في زاد المستقنع: ويحرم كل شرط جر نفعا، وإن بدأ به بلا شرط، أو أعطاه أجود، أو هدية بعد الوفاء جاز.
وقال ابن قدامة في المغني: فإن أقرضه مطلقا من غير شرط, فقضاه خيرا منه في القدر, أو الصفة, أو دونه, برضاهما, جاز. وكذلك إن كتب له بها سفتجة, أو قضاه في بلد آخر, جاز . ورخص في ذلك ابن عمر, وسعيد بن المسيب, والحسن, والنخعي, والشعبي, والزهري, ومكحول, وقتادة, ومالك, والشافعي, وإسحاق. وقال أبو الخطاب: إن قضاه خيرا منه, أو زاده زيادة بعد الوفاء من غير مواطأة, فعلى روايتين. وروي عن أبي بن كعب, وابن عباس, وابن عمر, أنه يأخذ مثل قرضه, ولا يأخذ فضلا; لأنه إذا أخذ فضلا كان قرضا جر منفعة. ولنا, أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا, فرد خيرا منه. وقال : { خيركم أحسنكم قضاء }. متفق عليه. وللبخاري : { أفضلكم أحسنكم قضاء }. ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض, ولا وسيلة إليه, ولا إلى استيفاء دينه, فحلت, كما لو لم يكن قرض.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني