الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث في فضل طول العمر وحسن العمل

السؤال

عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعاً, فكان أحدهما أشد اجتهاداً من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد, ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي, قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما, فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما, ثم خرج فأذن للذي استشهد, ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأْنِ لك بعد, فأصبح طلحة يحدث به الناس, فعجبوا لذلك, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحدثوه الحديث, فقال: مِن أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله! هذا كان أشد الرجلين اجتهاداً، ثم استشهد, ودخل هذا الآخر الجنة قبله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى, قال: وأدرك رمضان، فصام، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة، قالوا: بلى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض ـ وقد جاء من حديث فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه لينمى له عمله ويأمن فتنة القبر ـ وفي مسلم: رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأمن الفتّان ـ إذا كان عمل الشهيد أو المرابط لا ينقطع بموته والمرابط خير من الصائم القائم فكيف يسبق الذي توفي بعد الشهيد الشهيدَ مع أن أجر المرابط أعظم ولا ينقطع باستشهاده وموته؟ الله يبارك فيكم وينفع بكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا شك في فضل الرباط والشهادة، ولكن هذا الرجل المتوفي أخيرا كان مرابطا مثل الأول وزاد عليه بما عمل من صلوات وصيام وإنفاق وربما كان متمنيا للشهادة بصدق، وقد ذكر الطحاوي في مشكل الآثار: أن ما يعطاه الميت في رباطه ينقطع ذلك عنه كما ينقطع عمل غيره من الموتى عنه, وإن كان عمله ينمو له إلى يوم القيامة، فإنه ذلك العمل بعينه لا عمل سواه يلحق به, وكان الرجلان المهاجران المذكوران في الآثار التي رويناها هاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معا، فتساويا في ذلك, وأقاما عنده باذلين لأنفسهما فيما يصرفهما فيه من جهاد ومن غيره من الأشياء التي يتقرب بها إلى الله عز وجل ويصرف المقتول منهما في الجهاد حتى قتل فيه, ولم يكن يصرفه ذلك ـ والله أعلم ـ إلا بتصريف رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فيه، وعسى أن يكون صاحبه قد كان معه في ذلك فساواه فيه، وزاد الآخر عليه الشهادة التي قد بذل نفسه لمثلها فكان ذلك في معنى الشهيد وإن كان الشهيد بفضله فيما حل به من القتل فإنه قد بذل نفسه لذلك، ثم عاش بعده حولا في هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك من الفضل إنفاق ماله، فتفرد بذلك على صاحبه، وكان في ذلك مصليا صلوات مدته تلك، وصائما شهر رمضان الذي مر عليه فيها، ولذلك من الفضل ما له، فلم يكن في ذلك مما يجب أن ينكر تجاوزه لصاحبه في المنزلة في الثواب عليها، وفي استحقاق سبقه إياه إلى الجنة, ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هو دون مثله: من سأل الله عز وجل الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله عز وجل منازل الشهداء وإن مات على فراشه قال أبو جعفر: وأحوال الرجل التي ذكرنا في هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلبثه معه للتصرف فيما يصرفه فيه وإعماله الأعمال الصالحة, وبذله نفسه لأسباب الشهادة فوق ذلك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني