الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز التخلص من المال الحرام على الفقراء من الأقارب

السؤال

أنا شاب كنت أعمل في شركة تركب آلات كبيرة خاصة بتغليف السجائر في إيطاليا.
وكان عندي شك هل هذا العمل حرام أم حلال. وكان العُمّال يشغلون الموسيقى أتناء وقت العمل. وكانت هناك صوَر فاحشة معلقة بجدران المحل. فمع أني كنت أحرص على غض البصر، كنت أصادف أحيانا هذه الصور. ولم أكن أجد مسجدا، فتركت صلاة الجمعة.
فبدأ قلبي يغرق في ظلمات الغفلة وأنا لا أدري. حتى وسوس الشيطان في صدري يوما ولم أستطع أن أرُدَّ وسوسته. فوجدت نفسي كأني نسيت كل ما كنت أعرفه في الدّين. ففرغ فؤادي من الإيمان، واهتزت أركان إيماني. فبفضل الله تركت ذلك العمل، وتركت تلك المعاصي. فبدأ الإيمان يرجع شيئا فشيئا. وها أنا ذا بعد سنة أغلب الشيطان مرة، ويغلبني مرة.
فنسأل الله العافية. فبقي عندي شيء من المال من تلك الشركة. فهل يجوز لي أن أصل به أرحامي المحتاجين، أو أعطيه لفقراء المسلمين؟
أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يخفى على مسلم غيور ما في الإقامة في بلاد الكفار من مفاسد، وأخطار محدقة على الدين، والأخلاق، والقيم؛ ولينظر في ذلك الفتوى رقم: 2007. وقد أخبرنا الله تعالى بعداوة الشيطان قديما فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}. فعليك أن تغالب الشيطان بالاستغفار والتوبة، والصدقة، والصحبة الصالحة، والمكاسب الطيبة الحلال، وإخلاص العبادة لله جل وعلا.
أما العمل في شركات تركيب آلات تغليف السجائر، فعمل محرم؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان؛ وقد قال الله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

وراجع الفتاوى أرقام: 25431، 117253، 24838، 10500.

فإذا تقرر هذا، فالمال الذي اكتسبته من هذا العمل، الأصل فيه الحرمة؛ لحرمة سبب اكتسابه وهو مباشرة العمل المحرم، وقد قال النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ :إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه. رواه الدراقطني، وصححه الألباني.
والمال الحرام مصرفه المصالح العامة للمسلمين، وكذا المحتاجون من المسلمين الفقراء منهم والمساكين، وهو ما قررناه في الفتويين: ‎46756‎ ، 107680. ولاشك أن أولي الأرحام أولى بذلك من غيرهم، لكن يعطى لهم بنية التخلص من المال الحرام، لا بنية الصدقة؛ لأن الله لايقبل إلا طيبا، ولا يلزمك إخبارهم أنه مال خبيث كما قررناه في الفتوى رقم: 41972، وما أحيل عليها فيها.

أما ما أنفقته على نفسك وأهلك من ذلك المال الخبيث قبل بلوغ الفتوى، فلا يلزمك إخراج مثله إن شاء الله، وهو ما قررناه في الفتوى رقم: 29989.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني