السؤال
أذكر قصة قالها لي أحدهم وهي أنه يوجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل كثير الجهاد معه وكان يجرح في كثير من الحروب فتعب يوما تعبا شديدا وتألم ألما شديدا فقالوا: هذا في الجنة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: بل في النار، ثم خرج الرجل فراقبوه فرأوه يطعن نفسه بالسيف، فهو يصلي ولكنه قتل نفسه فوجبت له النار وذهب أجر صلاته؟ قال صلى الله عليه وسلم: خمسُ صلواتٍ افترضَهُنَّ اللَّهُ على عبادِهِ فَمن جاءَ بِهِنَّ لم ينتقِصْ منهن شيئًا استِخفافًا بحقِّهنَّ، فإنَّ اللَّهَ جاعلٌ لَهُ يومَ القيامةِ عَهْدًا أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ، ومَن جاءَ بِهِنَّ قدِ نقصَ منهنَّ شيئًااستِخفافًا بحقِّهنَّ، لم يَكُن لَهُ عندَ اللَّهِ عَهْدٌ، إن شاءَ عذَّبَهُ، وإِن شاءَ غفرَ لَهُ، فكيف يتم التوفيق بين هذا وذاك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم هذه القصة التي أوردها السائل في سؤاله، ولكن في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
وفيهما أيضا عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله؛ الذي قلت له إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه: لم يمت، ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالا فنادى بالناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وراجع الفتوى رقم: 56454.
فإن كان السائل يعني أحد هذين الحديثين، فليس في أي منهما أنه كان يصلي أو أن له عملا آخر غير القتال مع المسلمين، وليس في ذلك تزكية مطلقة، فرُبَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته! وقد قال النووي في شرح مسلم: اسمه قزمان، قاله الخطيب البغدادي، قال: وكان من المنافقين. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: هذا الرجل اسمه قزمان، وهو معدود في جملة المنافقين، وكان قد تخلف يوم أحد فعيره النساء وقلن له: قد خرج الرجال، ما أنت إلا امرأة، فخرج لمّا أحفظْنه، فصار في الصف الأول، وكان أول من رمى بهم، وجعل يرسل نبلا كالرماح، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، يا للأوس، قاتلوا على الأحساب، وجعل يدخل وسط المشركين حتى يقال: قد قتل، ثم يخرج ويقول: أنا الغلام الظفري، حتى قتل سبعة، وأصابته جراحة، فمر به قتادة بن النعمان فقال: هنيئا لك الشهادة فقال: إني والله ما قاتلت على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، ألا تسير قريش إليها حتى تطأ سعفتنا، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. اهـ.
وعلى أية حال، فليس في حديث الصلوات الخمس ما يفيد أن من حافظ عليهن ولم ينتقص منهن شيئا، أنه يدخل الجنة بغير حساب أو مع أول الداخلين، فقد يُعذَّب بكبيرة اقترفها ثم يكون مآله إلى الجنة، وقد جاء في أحاديث أخرى تقييد تكفير الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة للذنوب باجتناب الكبائر، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 220336.
ومن ناحية أخرى: فإن المنتحر وإن دخل النار، فإنه يخرج منها ولا يخلد فيها، إن كان موحدا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 5671.
والله أعلم.