الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يكون محل النية القلب؟ وهل يقطعها التردد في قطع العبادة؟

السؤال

كيف يكون محل النية القلب؟ أعلم أنه لا يشترط التلفظ بها، ولكنني أسأل عن محادثة النفس حيث أكتفي بأن يكون عندي المراد في عقلي كالوضوء مثلا، فأنا فقط أذهب لأتوضأ فأكتفي بذلك ولا أتلفظ بها ظاهريا ولا في نفسي، وإذا جاءني تفكير في الصلاة أن أخرج منها كأن دق جرس الباب ثم سمعت من فتح للضيف مثلا، فهل هذه نية خروج من الصلاة ويجب أن أسلم؟ أو أنا متوضئ أم لا؟ وهل أترك الصلاة وأذهب لأتوضأ أم لا؟ ثم تذكرت أنني على وضوء، فهل هذا يعتبر نية خروج من الصلاة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالنية القصد, جاء في المغني: وَمَعْنَى النِّيَّةِ الْقَصْدُ، وَهُوَ اعْتِقَادُ الْقَلْبِ فِعْلَ شَيْءٍ، وَعَزْمُهُ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: وَالنِّيَّةُ هِيَ: الإْرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ، وَلَيْسَتْ مُطْلَقُ إِرَادَةٍ، فَيُخِل بِهَا كُل مَا يُنَافِي الْجَزْمَ، مِنْ تَرَدُّدٍ، أَوْ تَعْلِيقٍ. اهـ.

إذا تبين لك هذا فإنك إذا استعملت الماء قاصدا الوضوء فقد نويته, وإذا كنت في صلاة وترددت هل تخرج منها أم لا أو ترددت هل تخرج من الصلاة للوضوء أم لا؟ فإن النية تبطل حينئذ في قول بعض الفقهاء، لأن استدامة النية شرط لصحة الصلاة, والتردد ينافي الجزم, قال في المغني: فَأَمَّا إنْ تَرَدَّدَ فِي قَطْعِهَا، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَبْطُلُ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا بِنِيَّةٍ مُتَيَقَّنَةٍ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ, وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ تَبْطُلَ, وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ النِّيَّةِ شَرْطٌ مَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَكُونُ مُسْتَدِيمًا لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى قَطْعَهَا. اهـ.

والقول بعدم البطلان بالتردد له قوة وأوفق للمصابين بالوسوسة في باب النية، قال شيخ الإسلام في شرح العمدة: وإن عزم أن يقطعها فيما بعد أو تردد هل يقطعها أم لا؟ ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها تبطل، قاله القاضي وغيره، لأن الواجب عليه استدامة النية ولم يستدمها....

والثاني: لا تبطل، قاله ابن حامد، لأن في حديث ابن مسعود قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال حتى هممت بأمر شر قيل له: وما هممت به قال هممت أن أجلس وأدعه ـ متفق عليه، وعن أنس: أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة لينظر إلينا وهو قائم فكأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم فضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر ـ متفق عليه، ولأن المبطل إنما أفسد النية وهذا لم يوجد وإنما تردد في فعله أو عزم عليه فأشبه ما لو نوى أن يتكلم فإنه لو نوى أن يفعل ما يبطل الصلاة غير قاصد لإبطالها لم تبطل بلا تردد.

والثالث: يبطل بالعزم على قطعها دون التردد في قطعها، لأن التردد لا يقطع نية جازمة بخلاف العزم الجازم. اهـ.

وأما إذا شككت في الوضوء فقط من غير أن تتردد في الخروج من الصلاة، فإن الصلاة لا تبطل بذلك، لحديث عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَاصِم: أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْفَتِلْ أَوْ لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا. متفق عليه.

وأما مجرد دق جرس الباب وأنت تصلي ثم سماعك فتحه للضيف: فهو أحرى بأن لا يعتبر نية خروج من الصلاة، وبالتالي فلا يجب عليك به أن تسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني