السؤال
أعاني مشكلة مع الرياء والإعجاب بالعمل، فلا أعلم هل ما يحدث معي رياء وإعجاب بعملي فعلًا، أم أنه وسواس يشدني إليه شيئًا فشيئًا، فكلما أقدمت على عمل، سواء قبل أن أبدأه، أم أثناءه، أم بعد الانتهاء منه، إما أن أشعر بالإعجاب اللحظي بالعمل إن كنت وحدي، أو أن أشعر بالرياء والإعجاب إن كنت في مسجد مثلًا، أو يخيل إليّ أن أحدهم ينظر إليّ، والمشكلة أنني أعلم في داخل نفسي أن هذا العمل قد لا يكون مقبولًا، فعلى ماذا الإعجاب!؟ وأعلم أن الرياء والإعجاب يحبطان العمل، لكنني أشعر أنهما يحدثان دون اختيار مني، حتى أنني أحيانًا أناجي نفسي خلال الصلاة مثلًا عندما أشعر بالرياء، أو الإعجاب، فأقول: "يا هذه، الشيطان يحاول أن يضيق عليك، فأنت في الحقيقة لا تشعرين بأي رياء، وهذا من الشيطان" لكنني عندما أنهيها أبدأ التفكير: هل يجب عليّ إعادة الصلاة؟ فربما كان ذلك الرياء والإعجاب حقيقيين، فماذا أفعل؟ فقد اشتد عليّ الأمر كثيرًا، خصوصًا عند استشعار الخشوع في الصلاة، فكلما استشعرته يبدأ الإعجاب بملاحقتي، فأستغفر الله، وأدافعه، لكنني لا أعلم في النهاية أصلاتي مقبولة أم لا؟ وهل حبطت أعمالي كلها أم لا؟ وإن عملت عملًا فمُدحت عليه، أو تم مدح شيء من أخلاقي، علمًا أن عملي وأخلاقي في الأصل لم أرائي بها، فإن مُدحت ففرحت، فظللت مثلًا أسترجع تلك اللحظة طويلًا في ذاكرتي سرورًا بها، وأحمد الله عليها، وقد استرجعها دون أن أحمد، أو أتذكر أن أحمد الله عليها لاحقًا، فهل يعتبر هذا من الإعجاب فيحبط ذلك العمل، وأجر ذلك الخلق؟ وإن أردت تقييم نفسي فاسترجعت شريط حياتي، ثم بدأت بعدِّ الطاعات، ثم فرحت لما قمت به خلال حياتي دون رضى كامل؛ لأني أعلم أن سيئاتي في المقابل قد تفوقها، لكنه مجرد فرح ورضا لحظي، فهل أعتبر بهذا العمل قد أعجبت بكل ما فعلت، فتحبط جميع الأعمال التي قمت بها في حياتي - جزاكم الله خيرًا -؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك عند ابتداء أي عمل صالح: حسن القصد، والنية الصالحة؛ لأن الإخلاص من أهم الأسس التي يقوم عليها قبول العمل، فإذا أحسنت القصد ابتداء، وطرأت عليك بعض الخواطر؛ لتفسد عليك نيتك، فاعلمي أن هذا مدخل للشيطان؛ ليقطعك عن هذا العمل، فالواجب عليك مدافعة هذه الخواطر، وحينئذ فإنها لا تضرك، فقد جاء في غمز عيون البصائر: ولو افتتح الصلاة يريد به وجه الله تعالى، ثم بعد ذلك دخل في قلبه الرياء، فالصلاة على ما أسر؛ لأن التحرز عما يعرض في أثناء الصلاة غير ممكن . اهـ
وقال الرحيباني في شرح غاية المنتهى: وإن كان أصل العمل لله, ثم) بعد الشروع فيه (طرأ عليه خاطر الرياء ودفعه, لم يضر) في عبادته, ويتمها صحيحة (بلا خلاف) بين العلماء في ذلك، (وإن استرسل) خاطر الرياء (معه فـ) هل يحبط به عمله، أو لا يضره, في ذلك (خلاف) بين السلف، حكاه ابن جرير، (ورجح) الإمام (أحمد أن عمله لا يبطل بذلك) لبناء عبادته على أصل صحيح, فلا يقدح فيه طروء ذلك الخاطر عليه، (وذكر غيره) أي: غير الإمام أحمد: (لا إثم في) عمل ( مشوب برياء, إذا غلب قصد الطاعة); لأن الحسنات يذهبن السيئات، (وعكسه) بأن غلب عليه قصد الرياء: (يأثم) للأخبار الواردة بالنهي عنه، (فإن تساوى الباعثان, فلا) ثواب (له, ولا) إثم (عليه) لقوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم}. اهـ.
واعلمي أنه لا إثم على العبد إذا عمل العمل خالصًا لله تعالى، فأثنى عليه الناس بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك، ولا يضره هذا الفرح والسرور، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير، ويحمده الناس عليه، فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن. خرجه مسلم، قال النووي: وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه، ومحبته له، فيحببه إلى الخلق.اهـ
وفرح المرء بما يصدر عنه من الطاعات لا يضر، بل هو دليل على إيمانه، فقد روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك، فأنت مؤمن. أخرجه الإمام أحمد.
وقال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
ولمعرفة حقيقة الرياء والعجب المحرم، وعلاجهما: راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 134994/ 180465/ 139877/ 32856/ 10992/ 151803.
والله أعلم.