الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أنه يغفر ذنبك، ويطهر قلبك، ويحصن فرجك، واعلم أن الحل الناجع للإقلاع عن هذه العادة السيئة هو الزواج، فإن لم تستطع فعليك بالاستعفاف، امتثالا لقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ{النور:33}.
ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، فعليك بالاستمرار في مجاهدة نفسك وعدم ترك العنان لها والاستهانة بالذنب، وتذكر قول ابن عباس: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. رواه البيهقي وغيره.
وقول بعض السلف: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
واحذر من أن تصاب بالطبع على القلب، فتصير ـ والعياذ بالله ـ مستمرئا للمعصية ويزول قبحها من قلبك، فالذنوب إذا تكررت واجتمعت نتج عنها الران الذي يعلو القلب، كما قال سبحانه وتعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {المطففين:14}.
وروى الترمذي وابن ماجه بسند حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكره الله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
ويقول صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه. رواه مسلم.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِي دَخَلَ قَلْبه بِكُلِّ مَعْصِيَة يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَة, وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ اُفْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُور الْإِسْلَام، وَالْقَلْب مِثْل الْكُوز فَإِذَا اِنْكَبَّ اِنْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلهُ شَيْء بَعْد ذَلِكَ.
ويقول ابن القيم رحمه الله: دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلا، فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها.
وقد ذكرنا بعض النصائح المعينة على ترك تلك العادة السيئة في الفتاوى التالية أرقامها: 76495، 7170، 164945، 225073، 110232، 65187، 194891، وما أحيل عليه فيها.
ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات في الموقع بشأن الصحة الجنسية.
ثم اعلم أن النظر أو العين رائد القلب، ولذلك قرن الله بين الأمر بحفظ الفرج والأمر بعض البصر وقدم غض البصر، فقال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}
وكما قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر.
وقال آخر:
كل الحوادث مبدؤها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها * في أعين العين موقوف على الخطر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر
يسر ناظره ما ضر خاطره * لا مرحبا بسرور عاد بالضرر.
فغض البصر عامل جوهري في حفظ الفرج، وله فوائد كثيرة ذكرنا طرفا منها في الفتوى رقم: 78760.
إضافة إلى أنه في ذاته امتثال وطاعة لله عز وجل، وتذكر أن نظر الله إليك يسبق نظرك إلى محارمه، وقد ذكرنا بعض الوسائل المعينة على غض البصر وترك مشاهدة الأفلام الإباحية في الفتاوى التالية أرقامها: 70444، 59061، 76975 ، 46846.
ثم عليك أن تقوي إيمانك، فهو ملاك ذلك كله، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى، وكثرة دعائه بأن يصرف عنك ما تجده من مشاهدة تلك الأفلام، واستعن على ذلك بالوسائل التي تقوي الإيمان، ومنها: تلاوة القرآن الكريم، والتأمل في الآيات التي تتناول موضوع العقيدة والإيمان، وبمجالسة الصالحين، وحضور مجالس العلم، وبالتقرب إلى الله تعالى بما استطعت من أعمال الخير، وانظر الفتوى رقم: 10800.
وراجع بخصوص علامات قبول التوبة الفتويين رقم: 29785، ورقم: 5646.
وبخصوص آثارها السيئة تراجع الفتوى رقم: 72577.
والله أعلم.