الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسلمت وهي حائض، وحدثت لها جنابة في وقت الحيض، فماذا تفعل؟

السؤال

من أسلمت وهي حائض، وحدثت لها جنابة في وقت الحيض، فماذا تفعل؟ ومَن أسلمت وهي حائض فقط، فماذا تفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأولًا: قد اختلف الفقهاء في حكم اغتسال الكافر إذا أسلم، فمنهم من أوجبه بإطلاق، ومنهم من قصر الوجوب على من وجب عليه غسل حال كفره، وإلا فهو مستحب، ومنهم من نفى الوجوب مطلقًا.

جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب المالكية، والحنابلة إلى أن إسلام الكافر موجب للغسل, فإذا أسلم الكافر وجب عليه أن يغتسل؛ لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن ثمامة بن أثال - رضي الله عنه - أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل. وعن قيس بن عاصم أنه أسلم: فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر; ولأنه لا يسلم غالبًا من جنابة, فأقيمت المظنة مقام الحقيقة، كالنوم، والتقاء الختانين ... وذهب الحنفية، والشافعية إلى استحباب الغسل للكافر إذا أسلم، وهو غير جنب؛ لما روي أنه لما أسلم قيس بن عاصم - رضي الله عنه - أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، ولا يجب ذلك; لأنه أسلم خلق كثير، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل، وإذا أسلم الكافر وهو جنب، وجب عليه الغسل, قال النووي: نص عليه الشافعي، واتفق عليه جماهير الأصحاب، وقال الكمال بن الهمام: الأصح وجوب الغسل عليه لبقاء صفة الجنابة السابقة بعد الإسلام, فلا يمكنه أداء المشروط بزوالها إلا به, وقيل: لا يجب؛ لأنهم غير مخاطبين بالفروع، ولم يوجد بعد الإسلام جنابة. وانظر الفتوى رقم: 147945.

ثانيًا: على القول بوجوب غسل الكافر، فيكفي المرأة غسل واحد عن طهر الإسلام، والجنابة، والحيض بعد انقطاع الدم.

أما على القول بعدم الوجوب: فقد اختلفوا في الحائض إذا أسلمت، هل يجب عليها الغسل عند انقطاع الدم أم لا؟ فمن قال بأن موجب الغسل هو ابتداء الحيض لم يوجب عليها الغسل عند انقطاعه، وأما من قال أن موجب الغسل هو الانقطاع: فإنه يوجب عليها الغسل عند انقطاعه.

وقال الطوفي في شرح الخرقي: لو أسلمت الحائض، أو النفساء قبل انقطاع الدم، فإن قلنا: يجب الغسل على من أسلم مطلقًا: لزمها الغسل إذا طهرت للإسلام، فيتداخل الغسلان، وإن قلنا: لا يجب, خرج وجوب الغسل عليها عند انقطاع الدم على القولين في موجبه: إن قلنا: يجب بخروج الدم, فلا غسل عليها; لأنه وجب حال الكفر, وقد سقط بالإسلام; لأن الإسلام يجب ما قبله، والتقدير: أن لا غسل على من أسلم، وعلى هذا تغسل عند الطهر نظافة لا عبادة, حتى لو لم تنو أجزأها, وإن قلنا: يجب بالانقطاع لزمها الغسل; لأن سبب وجوبه وجد حال الإسلام، فصارت كالمسلمة الأصلية، قال: وهذا الفرع إنما استخرجته ولم أره لأحد، ولا سمعته منه، ولا عنه إلى هذا الحين، وإنما أقول هذا حيث قلته تمييزًا للمقول عن المنقول، أداء للأمانة. انتهى.

وأما من أجنبت حال حيضها: فإن وقع ذلك بعد إسلامها: فيجب عليها الغسل، كغيرها من أهل الإسلام، ويكفيها غسل واحد عن الجنابة، والحيض بعد الطهر منه.

أما إن أجنبت قبل إسلامها: فإنه يلزمها الغسل بعد الإسلام كذلك، كما قدمنا؛ لبقاء صفة الجنابة السابقة.

جاء في فتح القدير: فإن أسلم جنبًا اختلف فيه، فقيل: لا يجب؛ لأنهم غير مخاطبين بالفروع، ولم يوجد بعد الإسلام جنابة, والأصح وجوبه؛ لبقاء صفة الجنابة السابقة بعد الإسلام, فلا يمكنه أداء المشروط بزوالها إلا به فيفترض، ولو حاضت الكافرة فطهرت ثم أسلمت, قال شمس الأئمة: لا غسل عليها بخلاف الجنب، والفرق أن صفة الجنابة باقية بعد الإسلام، فكأنه أجنب بعده, والانقطاع في الحيض هو السبب، ولم يتحقق بعده, فلذا لو أسلمت حائضًا ثم طهرت وجب عليها الغسل.

ثالثًا: على القول بوجوب غسل الكافر: فيكفي المرأة غسل واحد عن الجنابة، والحيض، وغسل الإسلام.

قال في منح الجليل على مختصر خليل في الفقه المالكي وهو يذكر حكم غسل الداخل في الإسلام: وينوي بغسله رفع الحدث الأكبر، أو أداء الفرض، أو استباحة ما منعه الأكبر، أو طهر الإسلام. انتهى.

وتقدم في الإنصاف قوله: لو أسلمت الحائض، أو النفساء قبل انقطاع الدم، فإن قلنا: يجب الغسل على من أسلم مطلقًا: لزمها الغسل إذا طهرت للإسلام، فيتداخل الغسلان.

فائدة: قال ابن قدامة في المغني: إذا كان على الحائض جنابة, فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها، نص عليه أحمد, وهو قول إسحاق; وذلك لأن الغسل لا يفيد شيئًا من الأحكام, فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها, صح غسلها, وزال حكم الجنابة، نص عليه أحمد, وقال: تزول الجنابة, والحيض لا يزول حتى ينقطع الدم، قال: ولا أعلم أحدًا قال: لا تغتسل، إلا عطاء, فإنه قال: الحيض أكبر، قال: ثم نزل عن ذلك, وقال: تغتسل، وهذا لأن أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر, كما لو اغتسل المحدث الحدث الأصغر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني