الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح لإصلاح الوالد المسيئ

السؤال

والدي عصبي جدا وألفاظه سيئة ـ سب ولعن ـ ولا يحترم أمي أبدا وقد كان في السابق يضربها هداه الله ويضرب إخواني لأتفه الأسباب، ويسب أهل أمي ويأخذ مال أمي وينفق علينا القليل مع أن دخله جيد، أخذ مهري ومهر أختي وأعطاني منه القليل جدا ولديه مشاكل مع أخيه وقضايا، ومع سلبياته الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها إلا أن لديه بعض الإيجابيات، ففي بعض الأوقات إذا كان مزاجه جيدا يعاملنا بالحسنى وأمي ـ رزقها الله أعلى جنانه ـ صابرة محتسبة، ولا تجادله، وعندما أرى أمي لا أتحمل وأريد أن أوقفه عند حده، ويقف ليرى الراقصات في التلفاز ويقول لأمي انظري هن أحسن منك... والآن مع كل الحماقات التي ارتكبها في حق أمي يريد أن يتزوج وأمي كبيرة في الأربعين وهو في الخمسين، ولا أستطيع السكوت له على إهانة أمي، فما هي أفضل طريقة للتعامل معه؟ نحترمه غصبا عنا من أجل ربي، ونصحناه بأسلوب طيب، وفي طفولتي كنت أراه ملكا وكنت أحبه جدا وما زلت أحبه، لا نريد منه شيئا، فأمي موظفة ـ ولله الحمد ـ نريده أن يكفينا شره، وأحيانا أقول إنه مسحور أو معيون، وهو يصلي ويصوم ولا يشرب ولا يدخن، وماذا يفيد ذلك إذا كان سيئ الخلق؟ والرسول صلى الله عليه وسلم قال: أقربكم مني منزلة أحاسنكم أخلاقا ـ ولا تتوقع أن أحدا من الأقارب سيتدخل لأنه لا يوجد منهم أحد صالح...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان أبوك على الحال الذي ذكرت من السب واللعن وبذاءة اللسان وسوء معاملة الزوجة واستفزازه لمشاعرها وأخذ مال زوجته وأولاده ـ بغير وجه حق ـ فإنه مقترف لجملة من المنكرات وأسباب سخط رب الأرض والسماوات، هذا مع التنبيه هنا إلى أن المهر حق خالص للمرأة، لقوله تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً { النساء: 4}. فلا يجوز للأب أن يأخذ منه شيئا إلا أن تطيب نفسها، هذا بالإضافة إلى أن ما جاء من الترخيص للأب بالأخذ من مال ولده ليس على إطلاقه، ويمكن مطالعة الفتويين رقم: 108328، ورقم: 46692.

وقد أحسنت في شفقتك على أبيك وخوفك عليه من عقاب الله تعالى، وحرصك على صلاحه ودعائك له بخير، فمما نوصيك به الاستمرار في الدعاء، فإن القلوب بيد علام الغيوب يقلبها كيف يشاء، فلا تيأسي، وهو سبحانه وعد بإجابة من دعاه، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

وكلما روعيت في الدعاء آدابه كان أرجى للإجابة، وراجعي في آداب الدعاء الفتوى رقم: 119608.

ثم عليكم بالصبر، فإنه مفتاح الفرج، وعاقبته خير ـ بإذن الله ـ وراجعي في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103.

وينبغي بذل النصح له برفق ولين، والأولى أن يكون ذلك ممن يرجى أن يكون له تأثير عليه من فضلاء الناس ولو كانوا من الغرباء إن لم يوجدوا في الأقرباء، وليذكر بأهمية حسن الخلق، وأن العبادة الحقة ينبغي أن تثمر ذلك، ويمكن الاستعانة ببعض النصوص الواردة في الفتويين رقم: 23239، ورقم: 55527.

وبغض ما يفعل من أمور منكرة واجب، ولكن يجب مع ذلك بره والإحسان إليه، ولا يجوز أن يصدر منكم شيء يؤذيه أدنى أذى، فمن حق الوالد أن يحسن إليه أولاده وإن أساء، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 3459.

والبر والإحسان من أسباب التأثير على القلوب وكسب ودها والتأثير عليها، ولذا قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

قال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ـ أَيْ: فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ أَيْ: مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَادْفَعْهُ عَنْكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا عَاقَبْتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ ـ وَقَوْلُهُ: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ـ وَهُوَ الصَّدِيقُ، أَيْ: إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ قَادَتْهُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ، حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لَكَ حَمِيمٌ أَيْ: قَرِيبٌ إِلَيْكَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ. اهـ.

وقد أجاد من قال:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * لطالما استعبد الإنسان إحسان.

وإذا رغب أبوك في الزواج من أخرى فقد أباح الله له ذلك بشرط القدرة على العدل بين زوجتيه، كما قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا {النساء:3}.

ولو أنه أقدم على الزواج فمن حق أمك مطالبته بالعدل، ولها الحق في طلب الطلاق إذا تضررت منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني