الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طاعة شخص في معصية الله وكيفية التوبة من ذلك

السؤال

ما حكم تفضيل شخص على الله - أعوذ بالله - وطاعته في معصية الله؟ وكيف يتوب من ذلك - جزاكم الله خيرًا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان المقصود بتفضيل ذلك الشخص محبته فوق محبة الله، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، بل مجرد التسوية بينهما في المحبة شرك أكبر، فكيف بتفضيل شخص على الله؟! قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. {البقرة: 165}.

قال الإمام ابن القيم في تفسير هذه الآية: أخبر أن من أحب من دون الله شيئًا كما يحب الله تعالى، فهو ممن اتخذ من دون الله أندادًا.

فالمحبة الشركية: محبة العبودية المستلزمة للإجلال، والتعظيم، والذل، والخضوع التي لا تنبغي إلا لله وحده لا شريك له، ومتى صرف العبد هذه المحبة لغير الله فقد أشرك به الشرك الأكبر. اهـ من كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة لنخبة من العلماء، ولمزيد الفائدة عن أنواع المحبة راجعي الفتوى رقم: 27513.

أما إن كان المقصود هو مجرد الانحراف العملي في سلوك الفاعل، بأن يطيع ذلك الشخص في معصية الله، ويقدم طاعته على طاعة الله اتباعًا للهوى، دون التسوية بينهما في المحبة، فهذا، وإن لم يكن شركًا مخرجًا من الملة، فهو من علامات ضعف محبة الله في قلب العبد، قال صاحب معارج القبول: وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه، وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه، وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله، ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره، وقبول هداه، وكل هذه العلامات شروط في المحبة، لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها. اهـ. وانظري الفتوى رقم: 133731.

ومحبة الله على درجات متفاوتة، وإذا تغلغلت هذه المحبة في عروق العبد وأوصاله، أحرقت محبة ما سواها في قلبه، وقطعت علائقه بغير مولاه، فصار يقدم محاب الله على حظوظ نفسه دائمًا، فإن قدم حظ نفسه، وعصى ربه، فهذا لا يستلزم انعدام محبته لله بالكلية، وإنما يدل على نقصانها، ويقدح في كمالها، وإلا فإن رجلًا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه! ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله. والقصة مذكورة في صحيح البخاري، فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام له محبة.

والتوبة من ذلك تكون بإخلاص الحب لله تعالى، والأخذ بأسباب ذلك، وقد ذكرنا بعض ما يعين الإنسان على تحقيق محبة الله في الفتوى رقم: 22296.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني