السؤال
هناك امرأة تحلف على أبنائها كثيرا، ويوقعونها في اليمين، وتسأل عن تكفير الأيمان، فمثلا: قالت لأحد أبائنها: والله لو لم تفعل كذا فسأقتلك ـ ويفعل ذلك الشيء, وأحيانا يقسم أحد أبنائها على شيء فيقول: والله لن أفعل كذا ـ فتقول له: والله ستفعل كذا على نفس الشيء الذي حلف عليه، وقالت مرة، والله إن فعلت كذا فلن أطعمك اليوم ويفعل هذا الشيء، فنسيت يمينها وأطعمته، فما حكم هذه الأيمان؟ وكان هناك ولد وأمه جالسين فقال: والله لن أفعل كذا، ولم تسمع يمينه فقالت له: والله ستفعل كذا حيث وقعت الأم في يمينها وحقق الولد ما أقسم عليه.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثرة الحلف منهي عنه، وقد ذكر الخادمي في آفات اللسان: كثرة الحلف ولو على الصدق، وقال: لاستهانته بالله تعالى، وانتهاك حرمة القسم، واعتياد لسانه على ذلك، ولذا قال الشافعي: ما حلفت لا صادقا ولا كاذبا ـ قال الله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة ـ جنة ومحلا: لأيمانكم ـ ومعنى الآية.. لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف، لأن هذا ليس من تعظيم الله، فلا ينبغي للعاقل أن يلعب باسم ربه في محل اللعب ولا في محل ليس محلا للتعظيم: ولا تطع كل حلاف ـ كثير الحلف في الحق والباطل: مهين ـ حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة. اهـ باختصار من بريقة محمودية.
وقال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة ـ معناها لا تكثروا الحلف بالله، وإن كنتم بارّين مصلحين، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه.
ثم إنه لابد في الأيمان من التفريق بين يمين اللغو واليمين المنعقدة، لأننا نظن أن كثيرا من أيمان هذه المرأة إنما هي لغو، وبالتالي فلا يوجب الحنث فيها كفارة، ولغو اليمين: هو ما يجرى على لسان المتكلم بلا قصد، وما كان في المراء والمزاح والهزل، أو أن يحلف على الشيء يعتقده كما حلف فيتبين خلافه، كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 34211، 139759، 11070.
ومن ذلك أن تحلف على قتل ابنها إن لم يفعل كذا وكذا! فالذي يظهر أن هذا من اللغو الذي يجري على الألسنة دون قصد اليمين، وأما إذا عقدت يمينها فأحنثها ولدها، فعليها كفارة يمين، وراجعي الفتويين رقم: 133113، ورقم: 8973.
إلا أن يكون ولدها أحنثها ناسيا أو جاهلها أو مكرها، فالراجح أن ذلك لا يوجب الكفارة، قال البهوتي في الروض المربع: وإن تركه مكرها، أو ناسيا لم يحنث، ومن يمتنع بيمينه، كزوجة وقرابة، إذا قصد منعه كنفسه. اهـ.
وقال ابن القاسم في حاشيته عليه: أي في الجهل، والنسيان، والإكراه، فمن حلف على زوجته أو نحوها لا تدخل دارا فدخلتها مكرهة، لم يحنث مطلقا، وإن دخلتها جاهلة أو ناسية، فلا يحنث في غير طلاق وعتاق، وإن حلف على غيره ليفعلن كذا، أو لا يفعلنه، فخالف حنث الحالف، وقال الشيخ ـ يعني ابن تيمية: لا يحنث إن قصد إكرامه، لا إلزامه به أي بالمحلوف عليه، لأن الإكرام قد حصل. اهـ.
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع: إذا حلف على غيره ألا يفعل شيئاً بيمين، أو طلاق، أو عتق أو نذر، فلا يخلو ذلك الغير من حالين:
الأولى: أن يكون المحلوف عليه ممن جرت العادة أن يمتنع بيمينه، أي إذا حلف عليه بَرَّ بيمينه، لقرابة، أو زوجية، أو صداقة.
الثانية: أن يكون هذا الغير ممن لا يمتنع بيمينه ولا يهتم بها، وسيأتي.
فإذا كان هذا الغير ممن يمتنع بيمينه ويبر بها، ولا يخالفه بسبب قرابة أو زوجية أو صداقة، كأن حلف على زوجته ألا تفعل شيئاً ففعلته ناسيةً، أو جاهلةً، أو حلف على ولده، ابن أو بنت، ألا يفعل شيئاً، ففعله ناسياً أو جاهلاً، فهذا الغير حكمه حكم نفس الحالف، يعني كأنه نفسه، فإذا فعله ناسياً أو جاهلاً في اليمين بالله لم يحنث. اهـ.
وراجعي الفتوى رقم: 106314.
والله أعلم.