السؤال
هناك بعض الناس يحزن إذا لم يفعل ذنبا معينا، أو لم يمارس الزنا مع فتاة، أو لم يربح مالا يعرف أنه حرام، فهل هذا من الحزن الذي تغفر بسببه الذنوب، لأن هذا الحزن عقاب من الله؟.
هناك بعض الناس يحزن إذا لم يفعل ذنبا معينا، أو لم يمارس الزنا مع فتاة، أو لم يربح مالا يعرف أنه حرام، فهل هذا من الحزن الذي تغفر بسببه الذنوب، لأن هذا الحزن عقاب من الله؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحزن على فوات الذنب يعتبر من الحزن المذموم، وليس من الحزن الذي يؤجر عليه، كما في الحديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه .
فإن الحزن الذي يؤجر عليه هو ما كان بسبب ابتلاء أصابه بغير اختياره، أو كان بسبب تقصيره في طاعة، أو وقوع في معصية، فحزن على تفريطه في جنب الله تعالى، ويحسن أن ننقل كلاما نفيسا لابن القيم يقول فيه رحمه الله: فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره كالمرض والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأْموراً بتحصيلها وطلبها، فلا، ففرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليات، ولكن يحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه، لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن.. على تفريطه وتقصيره خدمة ربه وعبوديته، وأما أن يحزن على تورّطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته، وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه وعلى حياته، حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه، ولو كان قلبه ميتاً لم يحس بذلك ولم يحزن ولم يتألم، فما لجرح بميت إيلام، وكلما كان قلبه أشد حياة كان شعوره بهذا الألم أقوى ولكن الحزن لا يجدي عليه، فإنه يضعفه كما تقدم، بل الذي ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر، ويبذل جهده، وهذا نظير من انقطع عن رفقته في السفر، فجلس في الطريق حزيناً كئيباً يشهد انقطاعه ويحدث نفسه باللحاق بالقوم، فكلما فتر وحزن حدث نفسه باللحاق برفقته، ووعدها إن صبرت أن تلحق بهم، ويزول عنها وحشة الانقطاع، فهكذا السالك إلى منازل الأبرار، وديار المقربين وأخص من هذا الحزن حزنه على قطع الوقت بالتفرقة المضعفة للقلب عن تمام سيره وجده في سلوكه، فإن التفرقة من أعظم البلاء على السالك، ولا سيما في ابتداء أمره، فالأول حزن على التفريط في الأعمال، وهذا حزن على نقص حاله مع الله وتفرقة قلبه، وكيف صار ظرفاً لتفرقة حاله، واشتغال قلبه بغير معبوده، وأخص من هذا الحزن حزنه على جزءٍ من أجزاءِ قلبه كيف هو خال من محبة الله؟ وعلى جزءٍ من أجزاءِ بدنه كيف هو منصرف في غير محاب الله؟ فهذا حزن الخاصة، ويدخل في هذا حزنهم على كل معارض يشغلهم عما هم بصدده من خاطر أو إرادة أو شاغل من خارج، فهذه المراتب من الحزن لا بد منها في الطريق، ولكن الكيس من لا يدعها تملكه وتقعده، بل يجعل عوض فكرته فيها فكرته فيما يدفعها به، فإن المكروه إذا ورد على النفس، فإن كانت صغيرة اشتغلت بفكرها فيه وفي حصوله عن الفكرة في الأسباب التي يدفعها به فأَورثها الحزن، وإن كانت نفساً كبيرة شريفة لم تفكر فيه، بل تصرف فكرها إلى ما ينفعها، فإن علمت منه مخرجاً فكرت في طريق ذلك المخرج وأسبابه، وإن علمت أنه لا مخرج منه، فكرت في عبودية الله فيه، وكان ذلك عوضاً لها من الحزن، فعلى كل حال لا فائدة لها في الحزن أصلاً. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 47060.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني