الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطلاق بين الإباحة والمنع

السؤال

سمعت العديد من الناس يرددون أن الطلاق بسبب معصية صغيرة يعتبر (هيافة) وأنه ظلم للمرأة؛ لما يقع عليها في المجتمع من تبعات، وفي نفس الوقت: أوليس الطلاق حلالًا، والمعاصي الصغيرة حرام، والإصرار عليها قد يجعلها من الكبائر!؟ فهل الطلاق - أبغض الحلال - أفضل أم الإبقاء على زوجة تصر على عمل المعاصي، حتى ولو كانت صغيرة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ينبغي للزوج أن يلجأ للطلاق لأدنى سبب، فالطلاق وإن كان مباحًا في الأصل، إلا أنه يكره لغير حاجة، ومن أهل العلم من ذهب إلى تحريمه في هذه الحالة؛ لما يترتب عليه من مفاسد في الغالب، وراجع الفتوى رقم: 12963، والفتوى رقم: 59869.

وقد حث الشرع الحكيم الزوج على إبقاء الزوجة في عصمته، ولو كان كارهًا لها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية، وعنها رغبة، ومنها نفرة من غير فاحشة، ولا نشوز، فليصبر على أذاها، وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيراً له. اهـ. وقال ابن الجوزي في هذه الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين:

أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودًا، ومحمود عاد مذمومًا.

والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبًا ليس فيه مكروه، فليصبر على ما يكره لما يحب. انتهى.

وروى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر. ومعنى لا يفرك: لا يبغض، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: أي: ينبغى أن لا يبغضها؛ لأنه إن وجد فيها خلقًا يكره وجد فيها خلقًا مرضيًا، بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة، أو جميلة، أو عفيفة، أو رفيقة به، أو نحو ذلك. هـ.

وليس في مجرد الطلاق ظلم للمرأة، بل قد يكون أحيانًا خيرًا للزوجين من بقاء العصمة الزوجية، وذلك فيما إذا استحالت العشرة، فيخرجان من الضيق إلى شيء من السعة، فيجد كل منهما من الأزواج من يعيش معه في هناء، قال الله عز وجل: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، وقال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.

والمعاصي التي تفعلها المرأة تتفاوت.

وعلى كل، ينبغي للزوج أن يعمل على إصلاح زوجته إن كانت مفرطة، ولا يعجل إلى طلاقها، فإن تمادت فقد يكون الطلاق أفضل أحيانًا، وقد جاء في كلام ابن قدامة في بيان أنواع الطلاق من حيث الحكم: الرابع: مندوب إليه، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل: الصلاة، ونحوها، ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون له امرأة غير عفيفة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني