السؤال
سألت سابقا هل يوجد فرق بين المتزوجة وغير المتزوجة إذا زنت وهي مجبرة بسبب التعرض للتهديد بالقتل أو التعذيب أو غير ذلك، وتمت إحالتي على فتاوى سابقة، ولم أفهم. وعنيت بسؤالي هل يوجد إثم في ذلك على المتزوجة دون غير المتزوجة ؟
سألت سابقا هل يوجد فرق بين المتزوجة وغير المتزوجة إذا زنت وهي مجبرة بسبب التعرض للتهديد بالقتل أو التعذيب أو غير ذلك، وتمت إحالتي على فتاوى سابقة، ولم أفهم. وعنيت بسؤالي هل يوجد إثم في ذلك على المتزوجة دون غير المتزوجة ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد بين أهل العلم من فرق في انتفاء الإثم عن المرأة المجبرة على الزنا بين المتزوجة وغير المتزوجة. قال الموفق في المغني :"فَصْلٌ: وَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهَةٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا" ثم ذكر خمسة أدلة لانتفاء الحد والإثم عن المكرهة كلها تشمل المتزوجة وغير المتزوجة على السواء فمن ذلك :
1ـ ِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . ولفظ الأمة يعم الجميع.
2ـ َوعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً اُسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
3 ـ قَالَ [الأثرم] : وَأُتِيَ عُمَرُ بِإِمَاءٍ مِنْ إمَاءِ الْإِمَارَةِ، اسْتَكْرَهَهُنَّ غِلْمَانٌ مِنْ غِلْمَانِ الْإِمَارَةِ، فَضَرَبَ الْغِلْمَانَ، وَلَمْ يَضْرِبْ الْإِمَاءَ.
4ـ وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ، فَقَالَتْ: إنِّي كُنْت نَائِمَةً، فَلَمْ أَسْتَيْقِظْ إلَّا بَرْجَلٍ قَدْ جَثَمَ عَلَيَّ. فَخَلَّى سَبِيلَهَا، وَلَمْ يَضْرِبْهَا.
وهذه الأدلة لم يُستفصل فيها عن حال المرأة من حيث العزوبة والزوجية ، وأهل العلم يقولون : ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم في المقال ، فشمل المتزوجة وغير المتزوجة على السواء.
5ـ وَلِأَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. والإكراه شبهة تستوي فيها المتزوجة وغير المتزوجة.
6ـ قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى": إن المكرهة على الزنا وشرب الخمر معفو عنها، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 33). اهـ فلم يفرق بين متزوجة وغير المتزوجة، فدل بإطلاقه على استوائهما في الإعذار.
والذي وقفنا عليه من التفريق هو في جانب الرجل، فقد ذكر كثير من أهل العلم أنه إذا أكره على الزنا بالمتزوجة لم يجز له ذلك، ويجب عليه الرضا بالقتل دون الإقدام على هذا الفعل، بينما إكراهه بالقتل على الزنا بغير المتزوجة يبيح له فعله إذا كانت المرأة طائعة. جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير، من كتب المالكية: قوله : [أو الزنا بمكرهة ] إلخ : حاصله أنه إذا قال لك ظالم : إن لم تزن بفلانة قتلتك فلا يجوز الزنا بها ، ويجب عليه الرضا بقتل نفسه إذا كانت تلك المرأة مكرهة أو طائعة ذات زوج أو سيد ، أما لو كانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد ، فيجوز بخوف القتل كما تقدم في الشارح. اهـ
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني