السؤال
لماذا عندما يولد شخص لأب وأم مسلمين تكون فرصه في أن يصبح مسلمًا ويدخل الجنة أكثر ممن يولد لأب وأم غير مسلمين، مع أن الله هو العادل، ولا يظلم أحدًا؟ أرجو منكم الإجابة عنه بالتفصيل، وبالاستدلال من القرآن والسنة.
لماذا عندما يولد شخص لأب وأم مسلمين تكون فرصه في أن يصبح مسلمًا ويدخل الجنة أكثر ممن يولد لأب وأم غير مسلمين، مع أن الله هو العادل، ولا يظلم أحدًا؟ أرجو منكم الإجابة عنه بالتفصيل، وبالاستدلال من القرآن والسنة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه، بإرسال الرسل، وبلوغ الدعوة، فمن لم تبلغه دعوة الإسلام على وجهها الصحيح، ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالراجح من أقوال أهل العلم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، كسائر أهل الفترة، بخلاف من بلغته دعوة الإسلام، وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن، برغم توافق هذه الدعوة مع دلالة العقل، والفطرة، والآيات الكونية المبثوثة في الأنفس والآفاق! وراجع الفتوى رقم: 156297.
وبهذا يُعرف أن العدل متحقق بين العباد، سواء من ولد منهم بين أبوين مسلمين، أم أبوين كافرين، فإن الله تعالى هدى الناس جميعًا للنجدين، وجعل لهم من القدرة والإرادة ما يكتسبون به أعمالهم، ويختارون به سبيلهم؛ ولذلك تجد من يولد بين المسلمين ثم يرتد عن دينه ـ والعياذ بالله ـ كما تجد من يولد في ديار الكفر بين أبوين ملحدين مغرقين في الضلالة، ثم يسلم ويحسن إسلامه، ولنا في أنبياء الله ورسله العبرة والمثل، فهذا الخليل إبراهيم -عليه السلام- يولد لأب وثنيٍّ كافر صانع للأصنام، وهذا نوح -عليه السلام- يصر ولده على الكفر رغم رؤيته بوادر الهلاك!
ولا شك أن احتمال هداية من وجد في بلاد المسلمين، أو ولد لأبوين مسلمين، وكذا احتمال ثباته على الإسلام أكثر؛ لما يراه ويسمعه عن الإسلام، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، فالله تعالى أعلم حيث يجعل نعمته وهدايته وتوفيقه، وهو سبحانه أعلم بخلقه، وما يليق بكل واحد منهم، وما يستحقونه في المآل، فيهدي من يشاء رحمة منه وفضلًا، ويضل من يشاء حكمة منه وعدلًا، والعدل لا يتعارض مع الفضل، كما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 160311.
وقد قال الله تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص: 56}.
قال السعدي: يخبر تعالى أنك يا محمد، وغيرك من باب أولى لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. اهـ.
وقال القاسمي في محاسن التأويل: وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ـ أي: القابلين للهداية؛ لاطلاعه على استعدادهم، وكونهم غير مطبوع على قلوبهم. اهـ.
وقال الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير: أي: هو أعلم من كل أحد بالمهتدين في أحوالهم ومقادير استعدادهم على حسب ما تهيأت إليه فطرهم من صحيح النظر، وقبول الخير، واتقاء العاقبة، والانفعال لما يلقى إليها من الدعوة ودلائلها، ولكل ذلك حال ومدى ولكليهما أسباب تكوينية في الشخص وأسلافه وأسباب نمائه أو ضعفه من الكيان والوسط والعصر والتعقل. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني