السؤال
أيصح أن يستغفر الإنسان عن شيء لم يفعله بعد؟ ولا أعني معصية، ولا أقصد طاعة يريد جبرها بالاستغفار، ولكن قبل فعلها، لأنه ربما لن يملك وقتاً حينها للاستغفار منه، أم يجب أن يكون بعده؟ كذلك الاستغفار العام كشخص يستغفر من أخطاء لسانه لهذا اليوم، سواء كذبا أم غيبة. علما بأنه يجتنبها قدر الاستطاعة، لكن للاحتياط، فهو يرى أنه ربما أذنب بلسانه دون قصد أو نسي زلة لسانه؟ وهل يصح أن يستغفر منذ بدء أو منتصف يومه أم يجب عند انتهاء يومه؟ لأنه ينوي أن يكون هذا القدر من الاستغفار عن ذنوب لسانه لهذا اليوم كاملاً، وهذا السؤال كالأول فكلاهما، هل يصح الاستغفار قبل الأمر المراد جبره أو تكفيره لأسباب كخشية ضيق الوقت أو التكاسل عند قرب وقت النوم؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستغفار عبادة عظيمة، وإن من يلهج لسانه بالاستغفار يحصل خيراً كثيرا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10ـ 12}.
وقال صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
فينبغى للإنسان أن يداوم على الاستغفار مطلقا، لما فيه من الخير الكثير
وأما الاستغفار عن أمر لم يحصل بعد: فليس بصحيح، لأن الاستغفار إما أن يكون مطلقا، وإما أن يكون عن الماضي لا عن المستقبل، يقول العلامة العثيمين رحمه الله: الاستغفار يكون عن ذنبٍ مضى، والتوبة لما يستقبل، فالاستغفار مقدمة للتوبة، كالتخلية قبل التحلية، ولذلك قرن الله بينهما، كما في قوله: وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ـ ولا ينفع الاستغفار مع الإصرار، لأنه إلى الاستهزاء أقرب منه إلى الحسنات. اهـ.
وقال ابن القيم في مدارج السالكين:.. فالاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله، فهاهنا ذنبان: ذنب قد مضى، فالاستغفار منه: طلب وقاية شره، وذنب يخاف وقوعه فالتوبة: العزم على أن لا يفعله، والرجوع إلى الله يتناول النوعين رجوع إليه ليقيه شر ما مضى، ورجوع إليه ليقيه شر ما يستقبل من شر نفسه وسيئات أعماله. اهـ.
والثابت عن النبي الاستغفار المطلق وكذا الاستغفار بعد الطاعات، ففي صحيح البخاري، قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. وفي صحيح مسلم: كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم استغفر ثلاثا.
كما جاء التوجيه من المولى بالاستغفار بعد الطاعات، كقوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:199}.
وقوله لنبيه بعد الانتهاء من تبليغ الرسالة: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا { النصر: 1ـ 3 }.
وعليه، فالذى نوجه به هو الإكثار من الاستغفار سواء منه المطلق أو المقيد، والاستغفار أمر سهل لا يحتاج إلى طهارة ولا هيئة مخصوصة، بل يمكن للإنسان أن يستغفر وهو مستلق على سرير نومه، ويمكنه أن يستغفر وهو في السيارة أو العمل أو غير ذلك، فلا وجه لأن يتكاسل عنه الإنسان أو يضيق عليه الوقت، لأن جل وقت الإنسان صالح لأن يملأه بالاستغفار، وتجدر الإشارة إلى أن الاستغفار الذي هو بقصد التوبة لا ينال ثمرته إلا من استوفى شروطه، وهي الإقلاع عن الذنب، وعقد العزم على عدم العودة إليه، والندم على ما فرط في جنب الله تعالى، أما الذي يستغفر الله بلسانه وهو مقيم على معصية الله غير نادم على ما فات منه، فإنه كالمستهزئ بربه، بل إن استغفاره هذا يلزم منه الاستغفار، قال ابن القيم رحمه الله: وأما من أصر على الذنب، وطلب من الله مغفرته، فهذا ليس باستغفار مطلق، ولهذا لا يمنع العذاب. اهـ.
والله أعلم.