السؤال
توفي الوالد منذ 20 سنة، وكان في حياته تاجرا، وبعد وفاته ادعى أحد الأشخاص شراكته في التجارة، وأنه يدين له بمبلغ مالي معتبر ـ مليون وثمانين ألف دينار جزائري ـ مستدلا بوثيقة عرفية مكتوبة بخط المرحوم، مع العلم أننا لم نكن نعلم بشراكته لوالدنا، ولكنه كان كثير الزيارة لمحل الوالد، وهذه الوثيقة لم يعترف بها القضاء الجزائري في القضية التي رفعها المدعي ضد الورثة الشرعيين، وإلى حد الآن لم توزع التركة على الورثة المعنيين: وهم أرملته، وأبناؤها السبعة من ذكور وإناث، وابن من امرأة مطلقة ـ وأنا المعني بالأمر، وهنا أود أن أستفتيكم في هذه القضية حيث إنني اعترضت على توزيع التركة طيلة هذه السنين حتى تتم تصفية هذه المعضلة بحل شرعي، كما أود أن أعلمكم أن إخوتي وأمهم لا يريدون الاعتراف بمزاعم هذا الشخص، وسؤالي هو: كيف يمكن حل هذا الإشكال شرعا في ظل هذه المعطيات؟ ووفقكم الله لكل ما هو خير للعباد.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالشخص الذي ادعى الشراكة مع أبيك، وأنه يطالبه بدين يطالب بإقامة البينة الشرعية على دعواه، وقد جاء في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يُعْطَى اَلنَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ اَلْيَمِينُ عَلَى اَلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه. وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: اَلْبَيِّنَةُ عَلَى اَلْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
قال الصنعاني في السبل: والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة، أو تصديق المدعى عليه ... اهـ.
والبينة التي تثبت بها الأموال أقلها رجل وامرأتان، أو رجل، ويمين المدعي، جاء في المغني لابن قدامة: وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ... وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ، وَشُرَيْحٍ، وَإِيَاسَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالشَّافِعِيِّ. اهــ مختصرًا.
وأما الوثيقة التي ادعى أنها مكتوبة بخط والدك: فهي في ذاتها لا تعتبر بينة شرعية إلا إن ثبت عند القاضي أنها كتبت بخطه فعلا، جاء في الموسوعة الفقهية: ومن يتتبّع أقوال الفقهاء جميعاً في حجّيّة الخطّ والختم يتبيّن له أنّ المعوّل عليه هو الاستيثاق من صحّة الكتابة، وعدم وجود شبهة فيها، فإن انتفت عمل بها ونفذت، وإلاّ فلا. اهـ.
وإذا لم يُقم ذلك المدعي البينة على دعواه، فلا شيء له، وللورثة أن يقسموا التركة، ولا يعطوه ما ادعاه، ولا إثم عليهم في ذلك إلا إذا أقروا هم بأن الخط فعلا خط مورثهم، فإنه يلزمهم حينئذ إعطاء الرجل ما ادعاه من الشركة والدين، جاء في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ـ رحمه الله تعالى ـ فيما لو أقر الورثة بأن الخط خط مورثهم: 2533 ـ إقرار الورثة بخطه ـ قوله: أو إقرار ورثته ـ وإذا أقروا كلهم فهذا كاف إذا كانوا جائزي التصرف فيكون حجة عليهم، فإن أقر بعضهم دون بعض ثبت في حق جائز التصرف مطلقاً، وإن كانوا اثنين عدول صار إقراراً في حقهم وشهوداً على أنه خط أبيهم، فيثبت في حقهم بالإقرار، وفي حق بقية الورثة بالشهادة. اهـ
والله أعلم.