السؤال
أريد أن أستفتيكم في رجل كان يجاهد ضد فصيل من الفصائل، وكان راجعا من المعركة وراكبا سيارة -وهي للمجموعة التي هو فيها- فتعطل إطار السيارة، فاستعار إطارا من شخص مدني، وأعطاه إطارا، وقال له: عندما ترجعه ضعه لي في المكان الفلاني. فوصفه له، وعرفه هذا المجاهد، وعندما عاد المجاهد إلى مدينته أخبر أمير المجموعة بذلك، وقال له: أرجع الإطار إلى المكان الفلاني. علما أن الرجل الذي أعطاهم الإطار لم يُعرف عن اسمه، فقط وصف المكان، وقال: هذا المكان لأبناء عمي. فالرجل المجاهد ذهب إلى معركة أخرى، وأصيب بإصابات ولم يستطع المشي، وأمير المجموعة لم يرجع الإطار، فألح عليه بإرجاعه، لكن بسبب انشغالهم بالمعارك لم يرجعه، وبعدما شفي الرجل المجاهد، وسيطر الفصيل الذي كانوا يقاتلون ضده استولى هذا الفصيل على المكان، وأخذ جميع معدات الفصائل التي قاتلته، فأخذ هذا الرجل المجاهد مبلغ مال الإطار، وذهب إلى المكان الذي وصفه له ذلك الرجل المدني لكن بعد خمسة أشهر، فوجد المكان لكن سأل أصحابه فقالوا: لا نعرف عنه شيئا، وليس لنا أبناء عم! فهل على أمير المجموعة وهذا الرجل المجاهد إثم أم أنهما يعذران لانشغالهما بالمعارك، وكذلك بإصابته؟ أفتونا، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن بذل ما يستطيعه في رد الأمانة والوفاء بالدين، فقد أدى ما عليه. ولك معتبر في ما جاء في صحيح البخاري من حديث الرجل الذي أراد أن يسلفه رجل ألف دينار فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا. فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا. فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده ... الحديث. فمثل هذا الرجل الذي سعى وبذل وسعه في قضاء دينه، لا حرج عليه في ما عجز عنه.
ثم إنك بعد ذلك إن لم تجد صاحب هذا الإطار بعد البحث عنه وبذل الوسع في ذلك، فتصدق بقيمته عن صاحبه، ويكون الثواب له يوم القيامة، وإن قُدِّر أنك وجدته بعد ذلك فعليك ضمان حقه؛ قال ابن القاسم في حاشيته على الروض المربع: الرهون والودائع ونحوهما من سائر الأمانات والأموال المحرمة كالسرقة والنهب، إذا جهل أربابها دفعها للحاكم أو تصدق بها عن ربها، بشرط ضمانها له؛ لأنه في الصدقة بها عنه جمعا بين مصلحة القابض بتبرئة ذمته ومصلحة المالك بتحصيل الثواب له. اهـ.
والله أعلم.