السؤال
يا شيوخي الأفاضل أسألكم بالله العظيم أن تساعدوني فأنا شاب عندما كنت صغيرا من الله علي بالإيمان وأذاقني حلاوته وعشت منعما سعيدا وأنا في قربه، وأشهد الله وأشهدكم كان الأنس به خير أنس، كنت عندما أقرأ كلامه أحس بأن روحي تطير في السماء وأتلذذ به جدا.
إلى أن جاء اليوم الذي ابتليت فيه بالعادة السرية، لم أكن أعلم حرمتها، وكانت تحدثني نفسي بأن أسأل الشيوخ لأعلم هل هي حلال أم حرام؟ ولكني أحببتها وفضلت ألا أسأل، وآثرت لذة دنيئة بلذة كبيرة، وآثرت هواي على رضا مولاي، وتطور الأمر إلى الزنا واللواط، ولأن ربي كان حليما غفورا فقد كان يرسل لي رسائل يدعوني فيها إلى العودة، ولأنه ذو فضل عظيم دائما فقد كان يرجعني إليه غصبا، وكنت أرجع إليه وأعتذر له عما بدر مني، ولأنه عفو كريم فقد كان يعاملني وكأنى لم أعمل شيئا، وأني لم أعصه من قبل، فيمن علي بلذة الإيمان، ولذة مناجاته، وكان يوقظني لصلاة الفجر دائما، وكان أيضا أحيانا يوقظني في الوقت الذي ينزل فيه إلى السماء الدنيا في جوف الليل الآخر، ويحبب إلي القيام بين يديه، ولكني رجعت إلى العادة السرية مرة ثانية، ثم أرجعني إليه وندمت وعاملني كما عاملني سابقا، وهكذا معاملتي مع الله، ولكن كان الأمر يتطور بي عند الرجوع إلى المعاصي وأصبحت أشاهد الأفلام الإباحية، ورغم ذلك كان يرجعني إليه ويتوب علي، ويرزقني حلاوة الإيمان، حتى بعد أن صرت شابا في الجامعة، ووالله كنت أغض بصري عن النساء، ولكن في يوم من الأيام اتبعت خطوات الشيطان، واسترقت النظر إلى النساء فضعف إيماني، وعندما ذهبت للبيت أخذت أشاهد المواقع الإباحية حتى بعدما شاهدت أول مرة لم أستغفر بل عملتها مرة ثانية وثالثة استجلابا للذة، ولكني أحسست أني سلبت الإيمان ولم يعد في قلبي حياة، ولم أعد أحب الدعوة إلى الله، وإذا رأيت المنكر فأحس أن قلبي لا يتأثر بمشاهدته، وأصبحت تأتيني الوساوس عن الله فلا أحس بأن قلبي يكرهها، رغم أني أدافعها، ولكن قلبي لا يكرهها، وإذا فاتتني صلاة فلا أحس بالضيق كما كان سابقا، وإذا لم أخشع فيها أيضا، سؤالي يا شيخ أنه قد مات قلبي، فهل يمكن أن يحيا ثانية؟ وكيف أحييه؟
وأعتذر إليكم على الإطالة، ولكن هذه قصة العبد الآبق مع سيده، ولا أدري هل يمكن أن يسامحني؟ أم أنه قد انتهى أمري وقضى علي بالبعد عنه أبدا.
والسلام.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصغحبه، أما بعد:
فباب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، فتدارك ذنوبك وإن عظمت بتوبة ماحية نصوح تعود بها كمن لم يذنب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، واعلم أن ذنوبك مهما عظمت فإن عفو الله تعالى أعظم، ورحمته سبحانه قد وسعت كل شيء، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، فأخلص توبتك لله تعالى، وابدأ صفحة جديدة في حياتك تعمرها بطاعة الله تعالى والبعد عما يسخطه، واعلم أن القلب إذا مرض بالذنوب فإعادته إلى الحياة التامة والصحة الكاملة تكون بالكف عنها ولزوم طريق الاستقامة، قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا {الحديد:16/17}، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فيه إشارة إلى أن الله تَعَالَى يُلِينُ الْقُلُوبَ بَعْدَ قَسْوَتِهَا، وَيَهْدِي الْحَيَارَى بَعْدَ ضَلَّتِهَا، وَيُفَرِّجُ الْكُرُوبَ بَعْدَ شِدَّتِهَا، فَكَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ الْمُجْدِبَةَ الْهَامِدَةَ بِالْغَيْثِ الْهَتَّانِ الْوَابِلِ، كَذَلِكَ يَهْدِي الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ بِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كَانَتْ مُقْفَلَةً لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْوَاصِلُ، فَسُبْحَانَ الهادي لمن يشاء بعد الضلال، وَالْمُضِلِّ لِمَنْ أَرَادَ بَعْدَ الْكَمَالِ، الَّذِي هُوَ لما يشاء فعال، وهو الحكيم الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْفِعَالِ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْكَبِيرُ المتعال. انتهى،
فاعلم هداك الله أن مفتاح قلبك بيد ربك تعالى فهو سبحانه مقلب القلوب، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء، فأقبل عليه والجأ إليه وتضرع له وسله مخلصا أن يوفقك ويعينك، فلو اطلع على صدقك فإنه لن يخذلك بمنه وكرمه، واصحب أهل الخير ممن تذكرك صحبتهم بالله سبحانه، واحضر حلق الذكر ومجالس العلم وزر القبور فإن زيارتها تلين القلوب وتذكر بالآخرة، وحافظ على الفرائض وأكثر من النوافل بعد الفرائض، واشغل وقتك بالنافع من الأقوال والأعمال، وجاهد نفسك مجاهدة صادقة حتى يحصل لك المطلوب، فإن الله لا يخذل من جاهد نفسه فيه كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}، نسأل الله لك الهداية والتثبيت.
والله أعلم.