الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطريق إلى الجمع بين تحسين الصوت ودرء الرياء

السؤال

كيف يوازن المرء بين التجمل في التلاوة وهو إمام ودفع الرياء؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن تحسين الصوت بقراءة القرآن أمر مرغب فيه ومندوب إليه، كما سبق في الفتويين التالية أرقامهما: 14628، 33389، ويقصد الإمام حين يحسن صوته بالقرآن: التعبد لله وطلب رضاه بذلك، وأن يكون تحسين الصوت عونا له وللمصلين خلفه على الانتفاع والتأثر بآيات الله.

والمحذور هو أن يجعل تحسينه للصوت من أجل استجلاب ثناء الناس ومدحهم، وتعظيمهم، هذا هو الرياء الذي تظافرت النصوص في التحذير منه.

والطريق إلى الجمع بين تحسين الصوت ودرء الرياء: هو الاستعانة بالله جل وعلا على تحقيق الإخلاص له، والاستعاذة به سبحانه من غوائل الرياء، ثم مراقبة النية ومجاهدتها على الإخلاص وعدم الالتفات إلى مدح الناس، مع استشعار فضل الإخلاص وعظيم ثوابه، وشر الرياء وخطره على العبد.

قال الآجري: ينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله قد خصه بخير عظيم فليعرف قدر ما خصه الله به, وليقرأ لله لا للمخلوقين، وليحذر من الميل إلى أن يستمع منه ليحظى به عند السامعين رغبة في الدنيا والميل إلى حسن الثناء والجاه عند أبناء الدنيا, والصلاة بالملوك دون الصلاة بعوام الناس، فمن مالت نفسه إلى ما نهيته عنه خفته أن يكون حسن صوته فتنة عليه, وإنما ينفعه حسن صوته إذا خشي الله عز وجل في السر والعلانية، وكان مراده أن يستمع منه القرآن؛ لينتبه أهل الغفلة عن غفلتهم, فيرغبوا فيما رغبهم الله عز وجل وينتهوا عما نهاهم, فمن كانت هذه صفته انتفع بحسن صوته, وانتفع به الناس. اهـ. من أخلاق أهل القرآن .

وقد سئل الشيخ ابن باز: ما هو السبيل في عدم الشعور بإتقان الصلاة والخشوع فيها حيث إنني أقوم إماما لأهل الحي في الصلوات الخمس ـ ولله الحمد ـ ولكن كل محاولتي لحفظ القرآن وتجويد القراءة أثناء كل صلاتي أشعر أني أرائي الناس فيها خاصة الصلوات الجهرية حيث إنني أحسن من الصوت وإطالة القراءة حتى يخيل إلي أني أفعل ذلك من أجل إشعار الناس أني أهل للإمامة ما حكم ذلك؟
ج: عليك يا أخي أن تستمر في عملك هذا وتكثر من سؤال الله التوفيق للإخلاص، والحرص على التعوذ بالله من الرياء، وأبشر بالخير، ودع عنك الوساوس التي يمليها الشيطان بأنك تقصد الرياء وتحسين صوتك لأجل مدح الناس أو ليقولوا: إنك أهل للإمامة دع عنك هذه الوساوس وأبشر بالخير، وأنت مأمور بتحسين الصوت في القراءة حتى ينتفع بك المأمومون، ولا عليك شيء مما يخطر من الوساوس بل حاربها، حاربها بالتعوذ بالله من الشيطان وسؤال الله التوفيق والهداية والإعانة على الخير، وأنت على خير عظيم، واستمر في الإمامة وأحسن إلى إخوانك واجتهد في تحسين الصوت، فقد جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به» يعني يحسن صوته بالقراءة، فتحسين الصوت بالقراءة من أعظم الأسباب للتدبر والتعقل وفهم المعنى والتلذذ بسماع القرآن، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به» يعني ما استمع الله سبحانه لشيء كاستماعه لنبي، وهو استماع يليق بالله لا يشابهه صفات المخلوقين فإن صفات الله سبحانه تليق به لا يشابهه أحد من خلقه جل وعلا، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ولكن يدلنا هذا على أن الله سبحانه يحب تحسين الصوت بالقراءة، ويحب أن القراء يجتهدون في تحسين أصواتهم حتى ينتفعوا وحتى ينتفع من يستمع لقراءتهم، وما يخطر ببالك من الرياء فهو من الشيطان، فلا تلتفت إلى ذلك وحارب عدو الله بالاستعاذة بالله منه، والاستمرار بتحسين صوتك، والإحسان في قراءتك مع الخشوع في ركوعك وسجودك وسائر أحوال الصلاة، وأنت على خير إن شاء الله، نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات على الحق .اهـ.

وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي: وإذا كان إماما حرص على استشعار نعمة الله عز وجل الذي فضله وشرفه وقدمه، فحرص على أن يخلص لله في قراءته، ويعطي كتاب الله عز وجل الحظ الأوفر من ضبطه وإتقانه وصيانته، يبكي لوعده ووعيده، وتخويفه وتهديده، يبكي من قرارة قلبه صادقا لا كاذبا، مخلصا لا مرائيا ولا متصنّعا، ثم يحبر كتاب الله تحبيرا، يرجو من الله أجرا كثيرا، لا يريد كثرة المصلين ولا يريد شعبية وراءه ولا يريد أن تسجل قراءته، ولا يريد أن تنتشر، يتمنى أن هذه القراءة بينه وبين الله يتمنى أن تفتح لها أبواب السماوات، فإذا خرج بهذا القلب التقي النقي السوي الرضي جعل الله لقراءته الأثر والبركة والخير، وأثر فيمن يسمع قراءته، وكان مباركا على نفسه وعلى من يصلي بهم، واتقى الله عز وجل في تقدّمه على إخوانه لكي ينال بهم أعالي المراتب، فهو إمامهم وهو المقدم، وقد ائتمنوه على أعز شيء من دينهم بعد التوحيد وهو الصلاة، فيتقي الله ويستحي من الله سبحانه وتعالى أن يخرج من بيته من أجل أن يزين قراءته لفلان وعلان، يستحي من الله سبحانه وتعالى أن يضيع حرمة كتابه فيتلو الكتاب للناس لا لرب الجنة والناس، يستحي من الله أن يتقعر ويتشدق في كتاب الله سبحانه وتعالى يلتمس أن يتصنّع به ويقال فلان قارئ يخاف من الله سبحانه وتعالى أشد الخوف، فيخشى من الله في ذلك ويسأل الله أن يعيذه من الفتن حتى إذا دخل محرابه دخل دخول الخاشعين، دخل وكأنه يرى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َـ أمامه يصلي فيقرأ كقراءته ويخشع في قراءته وركوعه وسجوده ويسجد كسجوده ويركع كركوعه، عندها يكون أعظم الناس أجرا وأكملهم طاعة لله وبرا بالتأسي بالسنة والبعد عن الرياء وعن الأمور المحدثة.اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 254890، والفتوى رقم: 209536.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني