السؤال
ما الشيء الواجب عمله في حال زاغ قلب العبد؟ وهل فيما مضى من حقب من أزاغ الله قلوبهم ثم هداهم الله بعد أن أزاغ قلوبهم؟.
ما الشيء الواجب عمله في حال زاغ قلب العبد؟ وهل فيما مضى من حقب من أزاغ الله قلوبهم ثم هداهم الله بعد أن أزاغ قلوبهم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وهو سبحانه المتفرد بالهداية والإضلال، فمن يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه لا يقر بأن الله على كل شيء قدير. انتهى، ولا تحصى أمثلة هداية الله وإضلاله في القديم والحديث، فكأي من مهتد أضله الله وكأي من ضال هداه الله وكأي ممن زاغ قلبه ثم رده الله إلى الحق، وقد ارتد ناس من الصحابة عن الإسلام كعبد الله بن سعد بن أبي السرح والأشعث بن قيس الكندي ثم تابوا وحسنت توبتهم، وأما من شعر بزيغ قلبه بعد الهداية فليتب إلى ربه ولينب من قريب فإن باب التوبة لا يزال مفتوحا ولا يغلق في وجه العبد ما لم تبلغ روحه الحلقوم، فمن تاب إلى الله بصدق قبل الله توبته، ووفقه لطاعته، وأصلح ما فسد من قلبه، وليعلم أنه لا صلاح للقلب إلا بالتوجه إلى الله تعالى، والانطراح بين يديه، والتضرع له وسؤاله التثبيت والمعونة، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. وأخبر الله عن دعاء الراسخين في العلم وأنهم يقولون: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ {آل عمران:8}، فليلزم العبد هذه الدعوات، وليصدق في الإقبال على ربه، وليجتهد في الأخذ بأسباب صلاح قلبه واستقامته، وما أحسن ما يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ، وَفِيهِ وَحْشَةٌ لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ، وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ، وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ، وَفِيهِ فَاقَةٌ لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ، وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا. انتهى، فنسأل الله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني