الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلة الرحم أمرنا بها حتى لمن يقطعها

السؤال

هل تحرم قطيعة الرحم إذا تيقن الشخص أن قريبه لا يريده أن يصله، كأن يعبث في وجهه إذا زاره، أو لا يرد على كثير من مكالمات الهاتف متحججا بحجج واهية؟ أم لابد من التصريح حتى يرتفع عنه إثم القطيعة بأن يقول له لا أريد زيارتك، أو لا تتصل بي مرة ثانية، أو نحو ذلك؟. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصلة الرحم واجبة وقطعها حرام، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.

ولم يحدد الشرع لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو قدراً محدداً، وإنما المرجع في ذلك إلى العرف واختلاف الظروف، فتحصل الصلة بالزيارة والاتصال والمراسلة والسلام وكل ما يعده العرف صلة، قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا. اهـ.

وعليه، فإن كان في زيارة القريب أو الاتصال به ما يؤذي الزائر، أو ألمح له إلى عدم رغبته في زيارته، أو أظهر الازدراء به عندما يزوره، أو ما شابه ذلك... فله ترك زيارته والاكتفاء بغيرها مما يقدر عليه من صور وأنواع الصلة الأخرى، والتي أدناها إلقاء السلام، وترك الهجران، بل له ترك الصلة بالكلية إن كانت تعود عليه بالضرر المحقق، ولو لم يصرح له الموصول بأنه لا يريد زيارته ولا صلته، يقول الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

وأخيرا نذكر بالحديث الذي يرويه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهو: أن رجلا قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني