السؤال
لي عدة تساؤلات حول هذا الحديث: قال صلى الله عليه وسلم حين نازعوه القراءة في صلاة الصبح: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان بإسناد حسن.
التساؤل الأول: القول الثالث: أن القراءة للمأموم مستحبة فيما يسر فيه الإمام، غير مشروعة فيما يجهر فيه، وهو مذهب الجمهور.
كيف ولماذا وجميع علامات استفهام الدنيا، يذهب الجمهور هكذا لعدم مشروعية قراءة الفاتحة، مع وجود هذا الحديث الصريح جدا جدا جدا؟
ما العلة في تركهم الأخذ به أيعقل أن هناك دليلا أقوى يتبعونه! فإن وجد لدرجة أنهم أخذوا به، فهنا سنحتاج للتوفيق بين دليلهم، وبين هذا الحديث لشدة وضوحه جدا، وتأكيدا لقوة دليلهم.
التساؤل الثاني: لماذا في الحرمين المكي، والمدني في كل الصلوات الجهرية، وتراويح رمضان، وتهجد الليل لا يأخذ أئمتهم الورعون في السعودية بهذا القول الوارد في الحديث؛ لكونه الأحوط، والأصرح، وإسناده حسن أي يؤخذ به، ويتيحون سكتات لا بأس بها للمأمومين كي يقرؤوا الفاتحة، هم أحيانا يتيحون، لكن الأغلب أنهم لا يتيحون؟
ما عذرهم خاصة مع وجود قول من يحكم ببطلان صلاة تاركها!! لماذا لا يخرجون المأمومين من الخلاف؟!!! إخوتي لماذا لا يفعلون ذلك؟
التساؤل الثالث: ذكر علماء معاصرون كابن العثيمين، أن الفاتحة تقرأ عند سكتات الإمام.
بخصوص هذه النقطة: أحيانا أصلي بمساجد أئمتهم لا يعطون فرصة لقراءتها أبدا، فأجمع أنا بين الاثنين: قراءتها مع الإمام -أحاول مع لسانه حرفا بحرف- وسماع صوته، وصوتي في نفس الوقت.
سؤالي: في حالة حدوث موقف عدم ترك الإمام سكتات، أيكون صوابا قراءتي للفاتحة معه، وبالتالي تحقيق الاثنين (سماعه، وقراءتي الفاتحة) فلا أكون أخللت بسماعه وهو يقرؤها، أو أتركتها ووضعت نفسي في الخلاف، أم يشترط التركيز بسماع قراءته مرة، وأيضا قراءتي مرة، كل على حدة؟
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن العلماء الذين لم يأخذوا بحديث عبادة في قراءة الفاتحة خلف الإمام، لا شك أنهم لم يتركوه عبثا، أو تعصبا من غير دليل عندهم، ومن ظن هذا فقد أساء الظن بطائفة كبيرة من أهل العلم، وورثة النبي صلى الله عليه وسلم، وننصحه بقراءة كتاب: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد ذكر فيه الأسباب التي من أجلها يختلف الفقهاء، فقد يصح الحديث عند بعضهم، ولا يصح عند غيره، وقد يصح الحديث ويكون له معارض من نص آخر، فيصير إلى هذا المعارض، ولا يرى ذلك غيره، وقد لا يبلغ بعضهم النص في المسألة، وغير ذلك من الأعذار.
وحديث عبادة بن الصامت: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب. الذي قال السائل إنه صريح جدا جدا جدا، أجاب عنه من لم يأخذ به بأجوبة: فمنهم من رأى أن سنده فيه ضعف، كما قال ابن قدامة في المغني: وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الْآخَرُ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ، كَذَلِكَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ. وَهُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. اهـ.
ومنهم من قال إنه منسوخ بالآية الكريمة: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف:204}. قاله العيني في شرح البخاري.
وقال أيضا: ويحتمل أن يكون ذلك بطريق تحصيل الفضيلة والكمال، لا الوجوب. اهـ.
ثم استدلوا على عدم القراءة مطلقا بأحاديث صحيحة عندهم –ولو لم تصح عند غيرهم- جاء فيها المنع من القراءة خلف الإمام ولم تستثن الفاتحة؛ كحديث: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ. وحديث: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا. وغيرها من الأحاديث.
ونحن وإن كنا نفتي بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم، وأن هذا القول هو الأرجح؛ إلا أننا نعذر أولئك الأئمة، ونرى أنهم مجتهدون لهم أجر الاجتهاد ولم يخالفوا حديث عبادة عن هوى وتعصب، حاشا وكلا.
وأما لماذا لا يسكت الإمام -في الحرم أو غيره- بعد الفاتحة سكتة يتمكن فيها المأموم من قراءة الفاتحة؟ فإن السكوت هذا غير مشروع؛ لعدم وجود دليل عليه، كما رجحناه في الفتوى رقم: 22283، فلا يلام الإمام إذا كان لا يرى عدم مشروعية السكوت.
وأسلوبك في هذه المسألة فيه نوع سخرية، ينبغي لك أن تبتعد عنها، لا سيما عند الحديث عن أئمة بيت الله الحرام.
وإذا لم يتيسر للمأموم قراءة الفاتحة في سكتات الإمام، فإنه يقرؤها بعد قراءته للفاتحة، كما ذكر ذلك أهل العلم ومنهم الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: الأفضل أن تكون قراءة الفاتحة للمأموم بعد قراءة الإمام لها؛ لأجل أن ينصت للقراءة المفروضة الركن ... اهـ.
وقال الشيخ/ ابن باز -رحمه الله تعالى-: أما المأموم: فالمشروع له أن يقرأها في حالة سكتات إمامه إن سكت، فإن لم يتيسر ذلك، قرأها المأموم سرا ولو كان إمامه يقرأ، ثم ينصت. اهـ.
والله أعلم.