السؤال
أنا معجب جدا بموقعكم المذهل وبفتواكم العظيمة وجزاكم الله خيرا.
سؤالي هو: هل من الممكن أن يحب الرجل امرأة غريبة في الله؟ وهل يمكن ذلك أيضا بالنسبة للزوجة؟ ثانيا: هل إذا قرأت مثلا سورة آل عمران كاملة وبعد الانتهاء أقول يا رب اجعل ثوابها لفلانة (حية ترزق ولم تمت بعد) تكون مثابة وكأنها قرأتها، وأقول أحيانا اجعل ثوابها مناصفة وتارة كاملة لها، ونفس النية أيضا إذا تصدقت لها وطلبت من ربي أن يجعل ثوابها لها وبنية صادقة؟ وأريد بأن أعرف هل يتفاجأ شخص ما بدعاء أخيه المسلم يوم القيامة، مثلا أن يسأل ربه من أين كل هذا الأجر؟ أيضا هل يحس المرء بدعاء شخص له في الغيب في حياته؟ بأن يحس براحة من تجاهه أو يراه في المنام أو غير ذلك؛ لأنني سألت أحد الشيوخ وقال لي أكيد يحس بك ويرتاح لك، وهل إذا أمنت الفتنة وبنية طاهرة وإحساس صادق بأن أعطي امرأة غريبة متزوجة هدية احتراما لها وتقديرا وتعبير عن الحب؟.
شكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في الحب القلبي في الله لشخص أجنبي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه.
وفي صحيح الإمام مسلم في باب فضائل أبي هريرة، أن أبا هريرة في قصة إسلام أمه قال: يا رسول الله؛ ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب عبيدك هذا ـ يعني أبا هريرة ـ وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين. قال أبو هريرة: فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.
ولكن الشرع الحكيم قد جاء بسد الذرائع إلى الحرام وخاصة فيما يتعلق بجانب النساء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم.
ولذا لا ينبغي أن يخبر الرجل المرأة الأجنبية عنه بحبه لها؛ والعكس كذلك لما يخشى من ذلك من الفتنة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 14949، وإذا وقع في قلبه حب امرأة لخيرها وفضائلها -مثلا- من غير ارتكاب محرم منه من نظر أو غيره فلا شيء عليه، وليكتم ذلك ويجاهد نفسه في عدم ارتكاب محظور وفي عدم التفكير في ذلك.
وأما بخصوص هبة ثواب القراءة أو الصدقة للأحياء فإنه لم يكن من عادة السلف ولا من طريقتهم إهداء ثواب أعمالهم للغير، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر جواز إهداء ثواب الأعمال، قال: ومع هذا فلم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم ولا لخصوصهم بل كان عادتهم، كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل. انتهى.
وقد قال الحنفية والحنابلة، بجواز هبة ثواب قراءة القرآن للأحياء وحصول الثواب لهم، قال في بدائع الصنائع: من صام أو تصدق أو صلى وجعل ثوابه لغيره من الأموات أو الأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة. اهـ.
وقال: ولا امتناع في العقل أيضا لأن إعطاء الثواب من الله تعالى إفضال منه لا استحقاق عليه، فله أن يتفضل على من عمل لأجله بجعل الثواب له؛ كما له أن يتفضل بإعطاء الثواب من غير عمل رأسا. اهـ
قال مصطفى الرحيباني الحنبلي في كتابه مطالب أولي النهي: وكل قربة فعلها مسلم وجعل المسلم بالنية ـ فلا اعتبار باللفظ ـ ثوابها أو بعضه لمسلم حي أو ميت جاز، ونفعه ذلك بحصول الثواب له. انتهى.
وقال البهوتي في كشاف القناع وهو حنبلي: وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابه أو بعضها كالنصف والثلث والربع لمسلم حي أو ميت جاز. اهـ.
وأما عن تفاجئ شخص ما يوم القيامة بدعاء أخيه فلم نطلع على شيء فيه، ولكنه جاء في بعض النصوص ما هو قريب من هذا، فقد أخرج الحاكم في المستدرك عن بريدة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم بهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
ولم نقف كذلك على شيء في شأن إحساس المدعو له بظهر الغيب.
وإذا خلت الهدية من الأغراض الفاسدة والمقاصد الخبيثة، فلا مانع من إهداء الرجل للمرأة الأجنبية والعكس، فالهدية جائزة بين الناس إلا الهدية في معصية الله تعالى، كمن يهدي لامرأة ليستميل قلبها إليه، أو يجرها إلى الوقوع فيما حرم الله.
والله أعلم.