الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم بقاء الشخص في وظيفة يتعرض فيها لمحرمات

السؤال

إخواني في الله: بداية أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعنا على كلمة التوحيد في الدنيا وفي جنة الخلد في الآخرة.
بداية أسألكم جميعا الدعاء أن يلهمني ربي لفعل الصواب، وأن يرزقني التوفيق والسداد.
باختصار شديد الجزء الأول من المشكلة: أراد الله أن يهديني لإطلاق اللحية منذ أعوام، وحصلت مشكلة معي في العمل (وهي مؤسسة كبيرة بمرتب جيد جدا) بسبب ذلك وتوصلت معهم لاتفاق بتقصيرها دون حلقها، وكان ذلك بعد طلب الفتوى من الشيخ سامى السرساوي وغيره ممن استطعت الوصول إليهم، وذلك نظرا لكوني مدينا بمبلغ كبير، ولا أستطيع ترك العمل حتى أستطيع سداده، وكانت الفتوى بالاستمرار في العمل والبحث عن عمل آخر، كان ذلك منذ أكثر من عامين، (هناك مشكلة أخرى في العمل أنه هناك اختلاط بشكل كبير ومزاح و فتن من النساء لا تعد ولا تحصى، وأحاول أن أبتعد عنها).
الجزء الثانى: حاليا الديون تزيد ولا تنقص وهى عبارة عن ساقية مستمر في الدوران حولها دون توقف، وحالى مع الديون من سيئ إلى أسوأ، فبسبب الديون أتهرب من الناس لأننى إذا واجهتهم سيكون للكذب طريق واسع، ودائما الوعود لا تنفذ ودائما تائه لا أقوى على دراسة شرعية أو دنيوية، ولا تطويرا لنفسي في أي ناحية حتى تربية أبنائي، حالتي النفسية تؤثر عليهم، وعندما أتذكر الموت وحال من عليه ديون أبكي خشية أن يحدث لي ذلك.
أخيرا أنا لدي حل وأريدكم أن تشاركوني فيه.
إذا تركت عملي سآخذ مكافأة نهاية الخدمة، مبلغ محترم يسدد ديوني، ويبقى مبلغ صغير لا أستطيع به فعل أي مشروع لأعمل به، وبالتالي ستأتي المشكلة الجديدة، وهى أنى ملتزم بمبالغ شهرية لا يمكن الانفكاك منها بمبلغ ليس بالقليل فمن أين سأدفعها؟ لا أعرف ماذا أفعل؟.
السؤال: عملي في تلك المؤسسة مع وجود مخالفة حلق اللحية وفتن بالكوم مع غير مسلمين مع استطاعتي تركها وأخذ المكافأة وبداية مشروع صغير يمكن أن يسدد التزاماتي ويمكن أن لا يسدد، عملي حلال أم غير ذلك والعياذ بالله؟
أحمد الله على كل حال، وأسأل الله أن يكون ابتلاء وبفضل الله صابر.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتولاك برحمته ، وأن ييسر أمرك ، ومثل مسألتك هذه قد سئلنا عنها كثيرا، والذي نقرره: أن حلق اللحية محرم، ولا يرخص فيه إلا للضرورة، كأن لا يجد الشخص مصدرا لنفقته الأساسية إلا العمل الذي يشترط عليه فيه حلق لحيته، فيرخص له في العمل حتى يجد مصدرا آخر، وانظر الفتوى رقم: 294232، وإحالاتها.

وأما تخفيف اللحية: فالأمر فيه أيسر من حلقها بالكلية، فتخفيف اللحية فيه خلاف مشهور بين العلماء، ولا حرج في الأخذ بالقول بجواز تخفيف اللحية وذلك عند الحاجة، وانظر في هذا الفتوى رقم: 76203، والفتوى رقم: 102769.

وأما عن الاختلاط في العمل: فإن كان في الموضع الذي يعمل به الشخص اختلاط محرم ـ وهو اجتماع الرجال والنساء دون التزام بالضوابط الشرعية ـ ولا يمكنه توقيه: فلا يجوز العمل به، إلا للضرورة، كأن لا يجد الشخص مصدرا لنفقته الأساسية إلا هذا العمل، فيجوز حتى يجد مصدرا آخر ـ كما تقدم في شأن حلق اللحية ـ، كما بيناه في الفتوى رقم:32506، والفتوى رقم: 109088، والفتوى رقم: 53285.

يبقى النظر في حالتك هل تعد ضرورة تبيح لك الاستمرار في العمل أم لا؟ والظاهر أنها لا تصل إلى مرتبة الضرورة، فالضرورة كما جاء في المنثور للزركشي: بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات أو تلف منه عضو. اهـ وهذا يبيح تناول المحرم. والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرم. اهـ.

وقال ابن تيمية: وكل ما جوز للحاجة لا للضرورة كتحلي النساء بالذهب والحرير، والتداوي بالذهب والحرير فإنما أبيح لكمال الانتفاع؛ لا لأجل الضرورة التي تبيح الميتة ونحوها، وإنما الحاجة في هذا تكميل الانتفاع، فإن المنفعة الناقصة يحصل معها عوز يدعوها إلى كمالها، فهذه هي الحاجة في مثل هذا، وأما الضرورة التي يحصل بعدمها حصول موت أو مرض أو العجز عن الواجبات كالضرورة المعتبرة في أكل الميتة فتلك الضرورة المعتبرة في أكل الميتة لا تعتبر في مثل هذا. اهـ.

وكذلك: فأنت إذا أخذت مكافأة نهاية الخدمة وقد وصفتها ب (مبلغ محترم يسدد ديونى ويبقى مبلغ صغير) فتكون حينئذ مسألة الديون واختلال النفقة متوقعة وليست ناجزة، والضرورة والحاجة ونحوها من أسباب الرخصة المعتبر منها في الأصل ما كان ناجزا واقعا بالمرء، لا ما كان متخوفا متوقعا، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يشترط للأخذ بمقتضى الضرورة ما يلي: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، وتظهر هذه القاعدة في الفروع الفقهية المبنية على الرخص منها: يشترط الفقهاء لتحقق الإكراه خوف المكره إيقاع ما هدد به في الحال بغلبة ظنه، وبناء على هذا الشرط فقول المكره "لأقتلنك غدا" ليس بإكراه. قال الشيخ عميرة: لو كانت الحاجة غير ناجزة فهل يجوز الأخذ لما عساه يطرأ؟ الظاهر لا، كاقتناء الكلب لما عساه يكون من الزرع ونحوه. يقول الشاطبي: الصواب الوقوف مع أصل العزيمة، إلا في المشقة المخلة الفادحة فإن الصبر أولى، ما لم يؤد ذلك إلى دخل في عقل الإنسان أو دينه، وحقيقة ذلك أن لا يقدر على الصبر؛ لأنه لا يؤمر بالصبر إلا من يطيقه، فأنت ترى بالاستقراء أن المشقة الفادحة لا يلحق بها توهمها، بل حكمها أخف بناء على أن التوهم غير صادق في كثير من الأحوال، فإذا: ليست المشقة بحقيقية، والمشقة الحقيقية هي العلة الموضوعة للرخصة فإذا لم توجد كان الحكم غير لازم اهـ. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 160765.

وثق ثقة تامة أنك إن تركت العمل ابتغاء رضوان الله فسيعوضك الله خيرا لك منه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه. أخرجه أحمد وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني