السؤال
لا خلاف في أنه لا عذاب فوق عذاب جهنم، وقد أشكل عليّ ما ورد في الحديث من أنه من طول انتظار الحساب يوم القيامة، يسأل الناس الله أن يحاسبهم، ويريحهم من الانتظار، حتى الكافر، وهو يعرف أنه إلى النار، وأنه يعرف حرّها، فكيف يطلب عذابًا أعظم مما هو فيه، وهو يعلم؟ ما يصنع هذا عاقل!
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن مما ورد في هذا المعنى ما أخرجه أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والطبراني، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر ليلجمه العرق يوم القيامة، فيقول: أرحني، ولو إلى النار. وفي لفظ للطبراني: إن الرجل ...
وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث جابر مرفوعًا: إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب! لإرسالك بي إلى النار أيسر عليّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب. وصححه، وتعقبه الذهبي، وأخرجه ابن عدي في الكامل بلفظ: إن العار، والتخزية يبلغ من ابن آدم في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد يؤمر به إلى النار، ويتحول من ذلك المقام.
وقد ضعف الألباني هذه الروايات كلها في سلسلة الأحاديث الضعيفة.
وأما ما يتعلق بالإشكال الذي ذكرته: فلعله إنما يطلب الكافر الذهاب إلى النار لكونه يظن أن ما هو فيه من كرب الموقف أشد من عذاب النار؛ إذ الكافر قد لا يعلم حقّ العلم بشدة عذاب جهنم؛ قال المناوي: (ولو إلى النار) أي: ولو بصرفي من الموقف إلى جهنم؛ لكونه يرى أن ما هو فيه أشد منها. اهـ. من التيسير بشرح الجامع الصغير. لكن ما جاء في رواية جابر: وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب. قد يرد هذا التأويل.
وقد يقال في الجواب: إن من طبيعة الإنسان، وعجلته أن يفرّ مما هو فيه من شدة واقعة إلى عذاب آخر متوقع أشد منه؛ لأنه يتوهم أن المتوقع قد لا يقع؛ قال الصنعاني: ولو إلى النار) من شدة ما يلقاه يتمنى الخلوص، ولو إلى أشد منه، وكأن هذا خاصّ ببعض أهل الموقف، ولا دليل فيه على أنه أشد من عذاب النار؛ لما علم من أن أشد العذاب عذابها، إلا أن البشر يتقاضاه طبعه طلب الخلاص مما هو فيه، ولو إلى أشد منه. اهـ. من التنوير شرح الجامع الصغير.
والله أعلم.