الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعان غيره لأجل أخذ مال من شركة التأمين لا يستحقه

السؤال

القصة كالتالي: سنة 2007 أو 2008 كان صديق لي مستأجرًا سيارة من شركة تأجير سيارات، وفي أحد الأيام أراد إيصال السيارة من مدينة لمدينة، فقام بإعطاء هذه السيارة المستأجرة إلى خاله ليقوم بإيصالها إلى المدينة الأخرى، وعلى الطريق بين المدينتين عملت السيارة حادثًا مع سيارة أخرى من نوع هيونداي، وأصبح صديقي في مشكلة؛ حيث إن عقد إيجار السيارة كان باسم صديقي، وليس باسم خاله، بالإضافة إلى أنه -على ما أذكر- كانت هناك مشكلة أخرى بأن خاله لا يمتلك رخصة قيادة، ومن ثم؛ فالتأمين لن يتعرف إليه، وأصبح مضطرًّا لحلف يمين أنه هو من كان يقود السيارة عندما عملت الحادث، فسألنا عن الأمر، فقالوا: إن حلف أنه كان يقود السيارة فهذا اسمه يمين غموس، فلم نعرف كيف نتصرف! فقمت أنا وشاب آخر بسؤال صديق آخر لنا يعمل في مجال الشرطة، وشرحنا له الموضوع، فقال لنا: الحل بسيط؛ لكي لا يحلف يمينًا غموسًا، دعه يكتب كتابًا، ويقدمه للقاضي، ويقول فيه: إن السيارة كانت متوجهة من المدينة هذه إلى المدينة الأخرى، وعلى الطريق كذا، وفي تمام الساعة كذا عملت السيارة حادثًا، حيث تجاوزت سيارة أخرى، واصطدمت السيارة بسيارة تحمل لون كذا، ومواصفات كذا وكذا ... إلخ دون أن يذكر من كان يقود السيارة، ثم يقوم بالحلف على أن كل ما ورد في الكتاب صحيح، فقمت أنا والشاب الآخر بإخبار صديقنا -الذي كان خاله الذي لا يحمل رخصة- بهذه الفكرة، ولا أذكر من أخبره أولًا هل أنا أم الشاب الآخر، وفي اليوم التالي قام بذلك بالمحكمة، ثم مضت الأيام، ولم أكن متدينًا كما هو الحال هذه الأيام -ولله الحمد-، وفي هذه السنة قرأت حديث: "يمينك على ما يصدقك صاحبك". وأشهد الله أني لم أكن أعرف هذا الحديث وقت الحادثة، بل عرفته منذ فترة قصيرة، فقمت بالاتصال بصديقي الذي كان مستأجرًا السيارة التي عملت الحادث، وأخبرته أنه إذا كان حلف بناء على أن نية القاضي أنه هو من كان يقود السيارة فقد ارتكب حرامًا؛ لأن الموضوع فيه حقوق مالية للغير، فقال لي: دعك من الأمر، لا تشغل بالك، أنت لا تعرف باقي التفاصيل؛ لأن الموضوع له شق آخر، وهو أننا جلسنا مع شركة التأمين، وعملنا تسوية للأمر، وقامت شركة التأمين بدفع تعويض لصاحب السيارة، وتصليح السيارة التي كنت مستأجرها، وأن الموضوع قد تم حله ضمن الأصول الصحيحة، فقلت له: إذا كانت شركة التأمين قد دفعت بناء على اليمين الذي حلفته فإن المال حرام؛ لأنها اعتقدت أنك السائق. فقال لي: لا؛ لأنهم مع صاحب السيارة الأخرى قد جلسوا مع شركة التأمين، وقالوا لهم الحقيقة، وأعلموهم أن خاله من كان يقود، وأن شركة التأمين أخذوا رخصة خاله، مع أني لا أذكر هل المشكلة كانت أن خاله لم يكن يحمل رخصة أم إن خاله كان يقود السيارة ولكن عقد الإيجار كان باسم صديقي، مع أنه على الأغلب أذكر أن خاله كان لا يحمل رخصة، وكما قال لي أنهم حلّوا الموضوع حسب الأصول، ولكني أشعر أنه لا يقول الحقيقة لي.
سؤالي هو: هل لو دفعت شركة التأمين بناء على اليمين (الغامض) الذي حلفه أمام القاضي أكون قد شاركت في الإثم، وأكون ضامنًا أمام الله كوني نقلت أو ساعدت في نقل الفكرة له؟ وماذا إذا كنت أنا أول من نقل الفكرة له؟ وماذا إذا ذكر فكرة اليمين الذي حلفه قبل أن يحلفه أمام أصدقاء آخرين لنا، وأيدوه بالفكرة؟ وهل أيضًا يضمنون المال أمام الله أم إن الذي حلف وحده يضمن لأن لديه عقلًا، وكان يجب أن يسأل أو يفكر؟
وأنا لا أعرف هل حلف اليمين كان كإجراء شكلي أمام المحكمة فيما يتعلق باليمين أم إنه لولاه لكان للقضية منحنى آخر؟ وصاحب السيارة الأخرى التي تضررت بالحادث إذا تماشى معهم بالكذب عندما جلسوا مع شركة التأمين، فهل المال الذي أخذه هو مال حرام، ويضمن أيضًا؟ وهل الشرطي الذي اقترح الفكرة يضمن ويأثم؟ وهل موظف التأمين إذا تواطأ معهم يكون ضامنًا وآثمًا؟ وإذا كان يكذب عليّ ويقول لي: إن الموضوع قد حُلّ ضمن الطرق الصحيحة، فهل يأثم؟ رغم أن شركة التأمين لا تعمل وفق الشريعة الإسلامية.
أرجوكم أفيدوني فأنا أقوم بالتبرع لله تعالى أحيانًا، وأخاف أن لا تقبل؛ كوني مشتركًا بالإثم، وعليّ ضمان أمام الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يظهر من السؤال كون اليمين الذي حلفه صديقك غموسًا؛ حيث لم يذكر في كلامه شيئًا عن قائد السيارة أصلًا، لا تصريحًا ولا تعريضًا، ولا نفيًا ولا إثباتًا. وانظر الفتوى رقم: 137700.

وعلى فرض أن ما حلفه يمينًا غموسًا؛ فالإثم مرفوع عنك، وعن كل من كان جاهلًا بالحكم الشرعي لذلك اليمين؛ لعموم قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}.

أما من كان عالمًا بالتحريم، وأعان هذا الشخص، أو تواطأ معه من أجل أخذ مال من شركة التأمين لا يستحقه، فإنه آثم.

وقد بيّنّا في الفتوى رقم: 7394 حكم التأمين بأنواعه، وبيّنّا أن الأصل حرمة الاشتراك في التأمين التجاري، اللهم إلا إن كان إجباريًّا، فحينئذ يجوز للمشترك فيه الانتفاع منه بقدر ما دفعه من مبالغ.

وعلى هذا؛ فإن كان مجموع ما دفعته شركة التأمين في الحادث المذكور مساويًا لما دفعه صديقك من اشتراكات، فلا مدخل للضمان هنا أصلًا.

أما إن كان زائدًا على اشتراكاته، فحينئذ يكون الضمان عليه هو فقط دونك، ودون الشرطي صاحب الفكرة، ومن نقلوها إليه، أو أيدوها؛ لما تقرر فقهًا من أنه إذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على المباشر.

والمال المأخوذ من شركة التأمين -حينئذ- يكون في حكم الأموال المسروقة، ونحوها؛ لأن شركة التأمين لو علمت حقيقة الأمر لما رضيت بدفع المال.

وعلى تقدير أن صاحب السيارة الأخرى قد تواطأ معهم على الكذب؛ فإنه يأثم بذلك، كما يحرم عليه ما أخذه من شركة التأمين، وهذا بخلاف ما لو أخذه مع علمها بحقيقة الأمر، فلا حرج عليه حينئذ، حتى وإن كان التأمين تجاريًّا محرمًا؛ حيث تتعلق الحرمة حينئذ بذمة الطرف الآخر، لا بعين المال على الراجح، وانظر الفتويين: 77233، 52438، وما أحيل عليه فيهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني